'التدمير البيئي امتداد للحرب الخاصة العابرة للحدود'

أكدت المتحدثة باسم لجنة البيئة والزراعة وحقوق الحيوان في حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM)، مليس تانتان على الدور الذي تلعبه المرأة في حماية البيئة في شمال كردستان لأنها الأولى في صياغة حياة جديدة قائمة على العدالة البيئية والاجتماعية.

بنفش ستيرك

آمد ـ في ظل تصاعد المخاوف البيئية في شمال كردستان، تواصل المنظمات البيئية المحلية نضالها المستمر ضد استنزاف الموارد الطبيعية، حيث تستمر حكومة حزب العدالة والتنمية، في تنفيذ مشاريع تُساهم في تدمير البيئة، مثل بناء السدود، قطع الغابات، واستغلال الأراضي.

في وقتٍ تتصاعد فيه التحذيرات من تداعيات استنزاف الموارد الطبيعية في شمال كردستان، تواصل المنظمات البيئية المحلية جهودها لمواجهة ما تصفه بسياسات "التدمير الممنهج" للبيئة والموارد الطبيعة التي تنتهجها حكومة حزب العدالة والتنمية، وتتهم هذه المنظمات السلطات التركية بتنفيذ مشاريع تهدد التوازن البيئي وتُعرض التنوع الحيوي للخطر، وسط تجاهل رسمي لمطالب السكان والنشطاء البيئيين.

أكدت المتحدثة باسم لجنة البيئة والزراعة وحقوق الحيوان في حزب DEM والخبيرة البيئية، مليس تانتان أن البيئة ليست مجرد فرع علمي تقليدي، بل هي جوهر الحياة والسياسة معاً "نحن لا نكتفي بتسميته علم البيئة بل نعتبره علم البيئة السياسي، لأننا نرى في الصراع من أجل الطبيعة وصون الحياة صراعاً سياسياً بامتياز"، مشيرةً إلى أن السياسة لا يمكن أن توجد بمعزل عن الطبيعة كما أن الحياة نفسها لا تستمر بدونها "أن علم البيئة هو مجال نضالي متكامل، يشمل حماية الكائنات الحية وغير الحية وقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من جميع أشكال النضال الأخرى، إن هذا المجال يمثل صيغة نضال لا يمكن الاستغناء عنها".

 

التدمير البيئي في كردستان

وشددت على أهمية دراسة الأضرار البيئية التي لحقت بشمال كردستان، مشيرة إلى أن التدمير البيئي هناك ليس ظاهرة جديدة، بل يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، ويعد امتداداً للحرب بل وشكلاً خاصاً منها، وفي ردها على حول آليات هذا التدمير، أوضحت أن السياسات التي شملت حرق الغابات، إخلاء القرى، وبناء السدود الأمنية، لم تكن عشوائية، بل تطورت على مدى سنوات طويلة بهدف إفراغ تلك المناطق والقرى من سكانها الاصليين وتدمير بيئتها الطبيعية.

وأضافت أن هذه السياسات لم تقتصر على محاربة السكان عبر الإنكار والتهميش، بل سعت إلى القضاء على أي إمكانية للعيش في هذه الأرض، فمنذ التسعينيات وحتى اليوم واجهت كردستان نهجاً ممنهجاً لتدمير الحياة فيها، وهو نهج يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإبادات والمجازر التاريخية، ويُنفذ كمشروع يستهدف الطبيعة بكل مكوناتها.

 

تطور النضال ضد التدمير

وأشارت إلى أن السكان ناضلوا بشراسة، لا سيما لحماية جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الحياة البرية، وجميع الكائنات الحية وغير الحية، بداً من الجبال والأنهار التي تُعدّ موطناً للذئاب والطيور والثعالب، إلى النباتات والحيوانات التي تنفرد بها كردستان، لكن هذا النضال أصبح جزءاً لا يتجزأ من نضال الإنسان من أجل الحياة "أن هذا التخريب والنهب الذي يُدمر الطبيعة والإنسان والمجتمع في شمال كردستان خلّف دماراً هائلاً، وأصبح حوض نهري دجلة والفرات أي أرض بلاد ما بين النهرين مسرحاً لجريمة قتل بيئي".

وأوضحت كيف تسبب مشروع تعدين بدأ عند منابع نهر الفرات في مجزرة، وذلك من خلال إضافة مادة السيانيد إلى مياه الفرات "لعقود حُرم كلٌّ من نهري دجلة والفرات من جريانهما الكامل، وتناثرت صخور قيعانها يميناً ويساراً، وأدت التدخلات في المناطق الساحلية والبحرية التي تغذيها المياه الجوفية إلى تدمير مياهها وأراضيها من خلال الحفر ومناجم الفحم وآبار النفط، من قِبل الدولة والشركات على حد سواء".

 

"نُسميها مسرح جريمة"

وصفت مليس تانتان الوضع البيئي في كردستان بأنه "مسرح جريمة"، مؤكدة أن حجم التلوث الحالي أدى إلى خسائر لا يمكن تعويضها، فقد اختفت العديد من الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة وانقرضت وتوقفت النباتات التي كانت تزدهر عن النمو في الكثير من الأماكن وبعضها لم يعد من الممكن استعادتها "أن هذا التدمير لا يقتصر على حدود شمال كردستان فقط، بل يمتد تأثيره إلى خارجها، مما يجعله قضية عابرة للحدود".

وأضافت أن المياه، التي تُعد من أهم عناصر الحياة، استخدمت كسلاح حرب ضد الدول المجاورة لتركيا، في ظل غياب سياسة سلام شاملة في الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن تركيا لم تتبنَّ نهجاً سلمياً، بل اعتمدت سياسة بناء السدود لوقف تدفق الأنهار وقطع المياه، مما حول المياه إلى أداة للضغط والصراع، ونتيجة لذلك تحولت سياسات التدمير البيئي، ومصادرة الموارد، وتلويث الأرض إلى استراتيجية ممنهجة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتُهدد الحياة والطبيعة في المنطقة بأسرها.

 

"طبيعة كردستان لا نستطيع توريثها للأجيال القادمة"

أكدت مليس تانتان أن "سياسة التدمير هذه لها تأثير كبير على تركيا "هناك دمار هائل، دمار عابر للحدود، ودمار يؤثر على حياة الأجيال القادمة، عندما تروي الأجيال السابقة تاريخها وحياتها اليومية، فأنهم يتحدثون ويصفون حياة يومية مرتبطة بالطبيعة حياة مرتبطة بالأنهار والجبال والطيور والحيوانات الأخرى، لكن نحن نروي الآن شيئاً بعيداً كل البعد عن هذه الحياة القديمة، لأنه للأسف هناك طبيعة في شمال كردستان لا يمكننا توريثها للأجيال القادمة، فسياسات الحرب الخاصة المستمرة منذ التسعينيات خلقت آلية إجرامية ضد الطبيعة".

 

"العواقب الوخيمة للسياسات الأمنية"

وأوضحت أن السياسات الأمنية التي فُرضت على شمال كردستان ساهمت في استمرار سلسلة من الانتهاكات البيئية والإنسانية لما يقارب 50 عاماً، بدأت هذه السياسات ببناء السدود الأمنية، ثم انتقلت إلى حرق الغابات، واليوم تتجلى في إزالة الغطاء النباتي بشكل واسع في مناطق مثل جودي وبستا وكابار، كما توسعت عمليات التعدين التي كانت مقتصرة في السابق على الفحم فقط، لتشمل استخراج الذهب والنحاس والزنك في العديد من القرى، بما فيها تلك التي عاد إليها السكان بعد تهجيرهم في التسعينيات.

وفي وصفها للنضال ضد هذا التدمير، قالت مليس تانتان "نحن نواجه دماراً هائلاً، لكن في المقابل هناك مقاومة قوية، فالشعب الكردي لا يناضل فقط من أجل مجتمعه بل من أجل أرضه وجباله وصخوره ومياهه، لأن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون الهواء والماء والتربة، وبدون بيئة نظيفة لا يمكن الحديث عن حرية أو سلام، والنضال من أجل حماية الطبيعة هو في جوهره نضال من أجل الحياة نفسها".

 

"دور المرأة في النضال من أجل حماية الطبيعة"

لفتت مليس الانتباه إلى دور المرأة في هذا النضال قائلة "النساء أيضاً تناضلن ضد هذا التدمير، إذا أردنا بناء السلام فإننا سنمر بمرحلة يمكننا فيها تشكيل جبهة موحدة ضد كل الهجمات التي يمكن أن نتعرض لها، مدركين أن هناك معاناة كبيرة، الناجمة عن الدمار البيئي".

وقالت "النساء أكثر من يفهم بعضهن البعض، لأنهن أنفسهن اللواتي تكافحن من أجل إدارة منازلهن ومواصلة حياتهن غير قادرات على استخدام المياه التي تتدفق من تلك الينابيع والآبار، لذلك تواجهن نفس المشكلة في موغلا وإسطنبول وطرابزون وشرناخ وجولميرك (هكاري)", لافتةً إلى أن هذه المعاناة وهذه الصعوبة هما ما يوحد النساء في الحياة، لا سيما في مواجهة الصعوبات التي تسببها الحرب والدمار البيئي في الأماكن التي لا توجد فيها حرب ".

 

"نضالنا سيُقلل من الضرر"

أكدت مليس تانتان أن تصاعد الضرر البيئي يستدعي نضالاً يهدف إلى منعه والحد من تداعيات سياسات الحرب الخاصة، بما في ذلك الأضرار المباشرة التي تعيق إمكانية العيش في بيئة طبيعية، مشددةً على أن هذا المسعى لا يعد خياراً سياساً بل يمثل واجباً أساسياً في بناء المستقبل "أن النضال يحمل طابعاً ثورياً، مستنداً إلى تجربة نضالية امتدت لسنوات من أجل الحرية، وهي تجربة تُلهم الأهالي وتدفعهم للانخراط في هذا المسار".

واعتبرت شعار "لا حياة بدون الطبيعة" تجاوز كونه مجرد عبارة تُردد في الاحتجاجات، ليصبح دليلاً عملياً لبناء الحاضر والمستقبل، داعيةً إلى تنظيم الصفوف والتكاتف لمواجهة المشاريع المدمرة والعمل على حماية كل جزء من الأرض، وكل شجرة، ومكافحة تلوث الهواء، بهدف إحياء الطبيعة وتعزيز استدامتها.

 

"آبار النفط تُسمّم مياه الشرب في القرى"

أوضحت أن الضرر البيئي في شمال كردستان قد أفرز صراعاً خاصاً، لافتةً إلى أن تهجير السكان من قراهم وتصنيفها كمناطق أمنية وصراع من قبل الدولة أدى إلى منع السكان من العودة إلى قراهم ومراعيهم، مما حول هذه المناطق إلى بؤر دمار بفعل السياسات الرسمية "أن السلام بات مهدداً، حيث أن المناطق الجبلية التي كانت محمية حتى خلال فترات الحرب، أصبحت اليوم مواقع لحفر آبار النفط، مثل منطقة كابار، في ظل ادعاءات بانتهاء الإرهاب في تركيا".

وعن عمليات استخراج النفط التي تسببت في تلويث مياه الآبار والينابيع التي يعتمد عليها سكان القرى المجاورة، بينت أنها أدت إلى تسمم مصادر مياه الشرب، مؤكدةً أن السياسات الحربية، سواء خلال النزاع أو في مرحلة ما بعد الحرب، تُلحق أضراراً جسيمة بالإنسان والبيئة، رغم أنها تُروّج لنفسها على أنها تهدف إلى حماية الطبيعة.

 

"دعوة القائد عبد الله أوجلان"

وحول استمرار التدخل في الحياة اليومية للكرد في شمال كردستان، أكدت أن النضال ضد هذا التدخل يتم عبر الوسائل القانونية والدفاع عن النفس والمظاهرات والفعاليات "ربما عانى الناس كثيراً لا سيما منذ عام ٢٠١٧، لكنهم يدركون أنه لا حياة بدون نضال".

وأوضحت أن "في هذه الأيام تزداد قوة النضالات من أجل حماية الطبيعة، لاسيما مع دعوة القائد عبد الله أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي، هناك مجتمعٌ قد نهض وأعاد تنظيم صفوفه بالفعل، لأنه إذا لم نحمِ طبيعتنا الآن فمتى سنحميها؟".

وأشارت إلى أن المجتمع بنى حياته من الماضي إلى الحاضر بإدراكه للأهمية الحقيقية للبيئة والطبيعة وتطبيق سياساته بناءً عليها "لقد بنى سياساته على هذا الأساس، نحن نتحدث عن الشعب الكردي الذي انتشر في أجزاء كردستان الأربعة وخلق حياة في كل مكان، لذلك ما يجب فعله واضح تماماً من المهم أن نفتح على الفور مجالاً ومساحة للنضال من أجل الطبيعة ومن أجل حريتنا ومن أجل المرأة، وأن ندعو المجتمع إلى تنظيم نفسه حول هذا الموضوع، الظروف اليوم مواتية أكثر، إن الدعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي هي في الواقع محاولة مهمة لبناء مجتمع وغد أفضل".

 

"من حيث نعيش يجب أن نبدأ ببناء حياة منسجمة مع الطبيعة"

ولفتت مليس تانتان الانتباه إلى المعاناة التي عاشوها، قائلةً "لقد عانينا كثيراً ودفعنا ثمناً باهظاً، لكن الآن حان الوقت ليصبح المجتمع أكثر ديمقراطية ولبناء حياة منسجمة مع الطبيعة، ولتحقيق ذلك يجب علينا أولاً وضع آليات وإقناع الجميع في أسرع وقت ممكن، ومنع هذا الانهيار من خلال البدء ببناء حياة منسجمة مع الطبيعة من حيث نعيش، لذلك ومع هذه الدعوة وبالانتظار والعمل على تمهيد الطريق للجنة التي أُنشئت في تركيا نمر بمرحلة تتشكل فيها الظروف والأوضاع لإعادة بناء حياة منسجمة مع الطبيعة في جميع مدن وقرى شمال  كردستان من خلال إنشاء مساحاتنا الاجتماعية والجماعية الخاصة، وبناء التضامن الاجتماعي، وبرؤية تقودها النساء".

 

"رسائل الوقفة الاحتجاجية في بستا"

وتابعت أن "هذه الحقبة ربما بدأت بمسيرة في شرناخ ووقفة احتجاجية نُظمت مؤخراً في بستا، هذه الوقفة الاحتجاجية، كانت في مكان محظور منذ 35 عاماً، حيث تُقطع الغابات بكثرة أرسلت رسالة حقيقية كانت ذات شقين، أولاً رسالة مفادها أن هذه الغابات لن تُدمر وتنهب بعد الآن، وثانياً رسالة مفادها أننا نبدأ بناء مجتمع ديمقراطي من هنا، في الواقع لن يعود شيء كما كان قبل الوقفة الاحتجاجية في بستا، وقد أعلن أهالي شرناخ وبوطان ذلك، وبالطبع هذا يُلقي بالمسؤولية والواجب على عاتق جميع المنظمات البيئية وجميع المنظمات العمالية وجميع المؤسسات الديمقراطية".

 

"لكي يتحقق السلام لا بد من حماية الطبيعة"

كما طرحت ميلس تانتان مجموعة من المطالب البيئية العاجلة، أبرزها وقف المشاريع الكبرى التي تُلحق الضرر بطبيعة كردستان، سواءً الجارية حالياً أو المخطط لإعادة بنائها، ومن بين هذه المطالب إغلاق منجم إيليج الواقع عند منبع نهر الفرات، وإغلاق منجم الفحم في شرناخ، إضافة إلى إيقاف تشغيل محطات الطاقة الحرارية في سلوبي، لما تسببه من أمراض خطيرة مثل السرطان، مع ضمان نقل العمال إلى مواقع أخرى دون فقدان وظائفهم، وإعادة الحياة إلى نهر دجلة الذي فقد مكانته كنهر بسبب التلوث، واستعادة خصوبة الأراضي المحيطة به، وحماية تاريخ مدينة حسن كيف التي غمرتها المياه والتي تمتد جذورها إلى أكثر من 12 ألف عام، إلى جانب  ضمان نظافة جريان نهر نارديج ومنع إقامة محطات الطاقة الكهرومائية عليه، إيقاف بناء سدي جزير وسينجان لما لهما من آثار بيئية مدمرة. مؤكدةً أن هذه الإجراءات ليست مجرد مطالب بيئية، بل هي خطوات جوهرية لبناء مستقبل قائم على السلام والعدالة البيئية.

وفي ختام حديثها، شددت مليس تانتان على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لحماية البيئة كشرط أساسي لتحقيق السلام في كردستان "أن المنظمات البيئية يجب أن تبادر بطلب المشاركة في اجتماعات اللجان المعنية"، مشيرة إلى بيان صحفي صدر في الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، حمل توقيع عشرات المنظمات البيئية، أكدوا خلالها أن السلام لا يمكن تحقيقه دون حماية الطبيعة.