البراكين... أحد أهم الأخطار والتحدّيات الطبيعية
البراكين هي أكثر ما في الطبيعة إثارةً للرهبة، وبالرغم من أنّ العلم عرّف كثيراً عن البراكين، فإنّ جبروتها من الضخامة تُحاكي الخيال والمشاعر أكثر مما تحاكي العقل، ولا غرابةً في ذلك أمام قوى تتوّلد عنها جبال وترفع جزراً فوق البحار، وتُعيد تشكيل خرائط العالم
مركز الأخبار ـ .
تُعد الظواهر الطبيعية أحد أهم الأخطار والتحدّيات المحدقة بالجنس البشري عبر تاريخه، وقد عانت وماتزال تعاني مجتمعات كثيرة من حدوثها والتي ينجم عنها آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية خطيرة، فالتغيرات التي حدثت في الطبيعية خلال السنوات الماضية شاهدة على حجم المشكلة التي تعاني منها البلدان.
حركات أرضية وتغيرات جذرية
البراكين هي نوع من الحركات الأرضية التي يمكن أن تعمل على تغيير طبيعة السطح والمكان، فتعتبر السبب الأبرز في تكوين الجبال والسلاسل الجبلية، وإيجاد بعض المناظر الطبيعية، وتتمثّل أنواعها في:
البركان المخروطي أكثر البراكين شيوعاً وهو عبارة عن حمم بركانية مندفعة تتراكم وتتصلب على جوانب البركان، عادةً ما يكون للبركان المخروطي فتحة واحدة توجد في قمة المخروط تشبه الوعاء ويأتي شكل المخروط بيضوياً أو دائرياً، ومن الأمثلة على هذا النوع، "بركان باريكوتين" الذي دمّر مدينة سان خوان في المكسيك، واستمر بالثوران لمدة تسع سنوات، ووصل مداه لـ 160 كم مربعاً، في حين وصل ارتفاعه لـ 366 متراً.
وتمثّل البراكين المركبة 60% من براكين الأرض، تتكون من طبقات متناوبة من الرماد والحمم، تقذف الحمم من محتوى السيليكا المعروفة باسم الاندسيت، وترتفع الحمم من عمق البركان من خلال فتحة تنفيس مركزية، وتنتج أيضاً هذا النوع جراثيم "اللاهارات" وهو مزيج من الماء مع الحطام البركاني، وهو في الأساس انهيارات أرضية بركانية أسفل المنحدر الحاد، وقد قتل ما يقارب مليون شخص بسبب خروج المواد والغازات إلى طبقة الأرض الستراتوسفير، كبركان "جبل فوجي" في اليابان، وبركان "بيتناوبو" في الفلبين عام 1991.
وتعد البراكين الدرعية شائعة في مناطق البقع الساخنة حيث تكون الحمم التي تشكل هذا البركان سائلة وتتدفق بسهولة ومن ثم تتحول إلى شكل درع، يتم تشكّلها بواسطة العديد من الطبقات بمرور الوقت، وتميل الانفجارات فيها إلى أن تكون خفيفة مقارنةً بالبراكين الأخرى، ويُعد هذا النوع من البراكين الأكبر في الحجم ويمكن أن يتراوح قطرها بين عشرات ومئات الكيلومترات، كبركان "ماونا لوا" الدرعي في هاواي الذي يرتفع قمّتها لأكثر من 4000 متر فوق مستوى سطح البحر.
تتعدد أشكال البراكين من حيث شدة انحداراتها
براكين الحطام الصخري وهو البركان المخروطي الذي يختلف شكله باختلاف المواد التي يتركّب منها، فإننا نجده مرتفعاً شديد الانحدار بالنسبة للمساحة التي تشغلها قاعدته، ونجد أنّ درجة الانحدار تصل إلى 30 درجة وقد تصل أحياناً إلى 40 درجة، تنشأ هذه الأشكال غالباً في جزر إندونيسيا.
والبراكين الهضبية هي التي تنشأ نتيجة لخروج اللافا وتراكمها حول فوهة رئيسية تبدو قليلة الارتفاع بالنسبة للمساحة الكبيرة التي تشغلها قواعدها، وتبدو قممها أشبه بهضاب محدبة، تنشأ هذه البراكين في جزر هاواي كبركان "مونالو" الذي يبلغ ارتفاعه 4100 متر.
البراكين الطباقية تتركب مخروطاتها من مواد الحطام الصخري ومن تدفقات اللافا التي يخرجها البراكين حين يهدأ ثورانه، ويتألف قسم منها من مواد خشنة وقسم آخر من مواد دقيقة، يمثل هذا الشكل في بركان "مايون" في جزر الفلبين وهو الأكثر نشاطاً في الوقت الحاضر.
أضرار رهيبة ومنافع محدودة
تاريخ البراكين حافل بعشرات الضحايا وبخسائر مادية فادحة، في تدمير مدن وقرى تدميراً تاماً، وتغيير معالم الطبيعة، وتلوث البحار والمحيطات، واضطراب المناخ بشكل بارز، بالإضافة إلى إطلاق كميات هائلة من الغازات والأبخرة السامة، مثل ثاني أوكسيد الكربون والكلور وأكاسيد الكبريت وكلوريد الأمونيوم إضافة إلى الغبار والرماد الذي يمكنه أن يرتفع حتى طبقات الجو العليا، والحرائق التي تسببها والدمار الذي يلحق بالأشجار والغابات والمزارع والمساكن.
ومن جانب آخر لديه منافع عديدة فالمواد البركانية غنية بالمعادن المفيدة للصناعة والزراعة، مثل البوتاسيوم والحديد والنحاس والكبريت ويُعرف أنّ التربة الغنية بالرماد البركاني هي أخصب أنواع الترب، كما توجد مناجم الألماس داخل الجبال البركانية الذي يتكوّن من الكربون من ثم يتحول تحت تأثير الحرارة والضغط الشديد إلى الألماس.
وتستخدم المياه الحارة المنبثقة من البركان في إقامة الحمامات الاستشفائية من الأمراض الجلدية، وتستغل الحرارة المرتفعة من البركان في توليد الطاقة والكهرباء، والاستفادة من الصخور والأحجار للبناء كتكوّن صخور البازلت التي تستخدم في رصف الطرق.
نواحي متعددة على سطح الأرض
إنّ البراكين مسؤولة عن تكوين أكثر من 80% من سطح كوكب الأرض، وقد أسست الأرضية التي سمحت للحياة أن تزدهر بما تحويه حممها من مواد حيوية للبيولوجيا، أي أشكال الحياة التي نعرفها، وتقدّر عدد البراكين النشطة حوالي 600 بركان موزّعة على سطح الأرض، يتركز معظمها في مناطق الشقوق والفوالق الطبيعية متوزعةً بمحاذاة سلاسل الجبال حديثة التكوين.
مُعظم البراكين تنتشر على نطاق واسع من سطح الأرض، تمتد من السواحل الشرقية من المحيط الهادي فوق مرتفعات الأنديز إلى أمريكا الوسطى والمكسيك، وفوق مرتفعات غربي أمريكا الشمالية إلى جزر ألوشيان ومنها إلى سواحل شرق قارة آسيا إلى جزر اليابان والفلبين ثم إلى جزر أندونيسيا ونيوزيلندا.
تصل البراكين إلى جنوب أوروبا المطل على البحر المتوسط والجزر المحاذية لها، ومرتفعات غربي آسيا، وشرق أفريقيا.
وهناك توزيعان لدائرتان كبيرتان للبراكين هما، "دائرة الحزام الناري" التي تقع في المحيط الهادي، والدائرة الثانية تبدأ من منطقة بلوشستان إلى إيران، من ثم آسيا الصغرى، البحر الأبيض المتوسط ليصل على جزر آزرو وكناري ويلتف إلى جبال الأنديز الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية.
براكين أكثر نشاطاً وشيوعاً
بركان "كيلاويا" في هاواي وهي من أكثر البراكين نشاطاً على وجه الأرض، وأحد البراكين الخمسة التي تتألف منها جزر هاواي التابعة للولايات المتحدة في وسط المحيط الهادي، وهو من القوة بما يكفي للقضاء على بعض القرى وحرق العديد من المنازل كما حصل عند ثورانه عام 1990.
بركان "جبل فيزوف" بإيطاليا، من أكثر البراكين شهرةً وهو بركان يثور مرة كل عشرين عاماً، ويراقب العلماء نشاطه عن كثب بالرغم أنّه لم ينفجر منذ عام 1944، وكان قد قضى على مدينة بومبي الرومانية القديمة.
"إتنا" في إيطاليا بركان نشط على الساحل الشرقي من جزيرة صقلية وهو أكبر البراكين النشطة في أوروبا، يرتفع نحو 3326 متراً عن سطح البحر، وكان آخر ثوران له عام 2015 وهو أعلى جبل في إيطاليا يقع جنوب جبال الألب، وتعتبر انفجاراته مدمرة.
يعتبر بركان "بيتون دو لا فورنيز" بركان درعي نشط يشكل 40% من جزيرة ريونيون الفرنسية التي تقع في المحيط الهادي شرق مدغشقر، يرتفع 2632 متراً فوق مستوى سطح البحر، وينفجر هذا البركان كل تسعة أشهر خلال السنوات العشر الأخيرة.
بركان "لاسوفيير" بدأ بالثوران في كانون الأول/ديسمبر2020 في جزيرة سانت فينسنت الكاريبية، واستمر حتى نيسان/أبريل 2021 كانت الحمم البركانية لاتزال تنمو بنشاط حيث وصل عمود الرماد إلى حوالي 9.800 متر، وقع انفجار عنيف فيه أدى ذلك إلى انقطاع المياه والكهرباء عن معظم الجزيرة، وأغلق مجالها الجوي بسبب الدخان وأعمدة الرماد البركاني التي تتحرك عبر الغلاف الجوي.
الإدراك والوعي بالمخاطر
إنّ التعليم والتوعية العامة مكوّنان أساسيان في بناء مجتمعات يمكنها أن تتجنب أو تتعافى بسرعة من مخاطر الكوارث، وليس بالضرورة أن يقتصر التعليم الرسمي في المدارس والجامعات، فالتعليم عملية تضمن توعية الأفراد والأسر والمجتمعات، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، منهمكة في بذل الجهود المتنوعة التي تهدف إلى تعزيز ثقافة الحد من مخاطر الكوارث بما في ذلك التوعية العامة.
والتحول المفاجئ غير المتوقّع في أسلوب الحياة العادية بسبب ظواهر طبيعية تتسبب في العديد من الإصابات والوفيات والخسائر المادية الكبيرة، والحاجة إلى وضع استراتيجية للحد من مخاطر الكوارث في المناطق أصبح أمراً ملحاً، ويكمن المفتاح لهذه الاستراتيجية العمل على استعداد الناس لهذه المخاطر، وأنّ جميع الأفراد في المناطق المعرّضة للأخطار بحاجة إلى الإدراك والوعي بالمخاطر وكيفية الاستعداد لها.