زيت "الأركان" مشروع منح النساء الاستقلالية والانخراط في المحافظة على الموروث الثقافي
تنتج نساء المغرب زيت الأركان الذي يعد من أغلى الزيوت عالمياً، وساهمت تعاونية "أركان إداوميتات" في تحقيق استقلالهن الاقتصادي.
رجاء خيرات
المغرب ـ يعتبر العمل على إنتاج زيت الأركان قطاعاً نسائياً بامتياز، حيث يعد مجالاً استطاعت النساء من خلاله خلق مشاريع هامة مدرة للدخل أكسبتهن استقلالية مادية ومنحتهن فرصة للانخراط في مشروع الحفاظ على هذا الموروث الثقافي بجنوب المغرب.
تأسست التعاونية الفلاحية النسوية "أركان إداوميتات" في 27 تموز/يوليو 2000 بمنطقة "إيموزار" بمدينة اكادير (جنوب المغرب)، بداية بـ 44 امرأة منخرطة في إطار مشروع المحافظة على شجر الأركان باعتبارها شجرة نادرة يستخرج من حباتها زيت "الأركان" متعدد الفوائد والاستعمالات كـ (التجميل، التغذية، الأدوية...وغيرها) بشراكة مع مديرية المياه والغابات ووكالة التعاون الألماني، باعتباره مشروعاً رائداً للحفاظ على موروث ثقافي لامادي للمنطقة، فضلاً عن أنه يعد مصدر رزق لهؤلاء النساء.
تحدي الإقناع بالانخراط
تَعتبر رئيسة التعاونية الفلاحية النسوية "أركان إداوميتات" فاطمة أمهري وهي عضو اتحاد التعاونيات للأركان والمنتوجات الفلاحية أنه من الصعب إقناع ساكني المنطقة بضرورة الحفاظ على شجر الأركان، إذا لم يكن يمثل مصدر عيش لهم، ومن ثم جاءت فكرة إنشاء هذه التعاونية وغيرها من التعاونيات، بداية عن طريق التوعية بأهمية الشجرة بيئياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث أصبحت اليوم التعاونية تضم 74 امرأة، وانتهاءً بتسويق المنتوج.
تدعو فاطمة أمهري النساء للانخراط في التعاونية، من خلال مواكبتهن تقنياً واقتصادياً واجتماعياً، عبر تنظيم قوافل توعوية في القرى البعيدة، حيث بلغ عدد التعاونيات التي تأسست في تلك الفترة (سنة 2000) 13 تعاونية كلها تعنى بإنتاج زيت الأركان ومشتقاته، في وقت لم يكن لهذا الزيت تلك الشهرة العالمية كما اليوم.
منذ سنة 2000 وإلى غاية 2007، عملت فاطمة أمهري رفقة فريق عمل متناسق ومتكامل، على التعريف بالمنتوج وبأهميته وما يمكنه أن يحقق لهؤلاء النساء اللواتي كن تسوقن منتوجهن بأسعار قليلة، رغم ظروف عملهن الشاقة، حيث لا يسمح لهن بارتياد الأسواق المجاورة لبيع المنتوج، مما يجعلهن تعتمدن على الأزواج للقيام بهذه المهمة، وهو ما جعلهن تتعرضن لاستغلال كبير في هذا المجال.
فتحت التعاونية أمام النساء المنخرطات آفاقا كبيرة، بأن منحتهن أولاً فرصة بيع المنتوج بأسعار مناسبة تراعي ظروف العمل من جهة، ومن جهة أخرى مكنتهن من المشاركة في معارض وطنية ودولية للتعريف بمنتوجهن، وهو ما منحهن الشعور بأهمية ما يقمن به.
قفزة نوعية
في عام 2005 ظهر مشروع جديد اعتمد على تكييف التعاونيات النسائية القروية المنتجة لزيت الأركان، هذا المشروع أطلقته وكالة التنمية الاجتماعية (ADS) بشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو المشروع الذي ثمن المشروع الأول، مما عجل بظهور تعاونيات نسائية كثيرة بالمنطقة.
تقول فاطمة أمهري أن "هذا المشروع جاء لإصلاح التعاونيات النسائية حتى تستجيب لمعايير السوق الدولية، كما أنه وفر تكوينات مصاحبة للمنخرطات (دروس في محو الأمية)، وتقنيات في التسيير الإداري والمالي للمقاولة، بدءً من وضع خطة العمل والمحاسبة وانتهاءً بالتسويق، وهي كلها تحديات يفرضها ولوج الأسواق العالمية الذي يفرض تحسين الجودة والأخذ بالاعتبار معايير السوق".
وتعتبر فاطمة أمهري أن هذا المشروع يعد الانطلاقة الحقيقية لتعاونيات زيت الأركان لتكون كما هي اليوم، إذ بفضل التكوينات التي تلقتها النساء المنخرطات في كل الجوانب المتعلقة بالإنتاج، أصبحن قادرات على ولوج أسواق دولية لبيع منتوجهن.
كان من نتائج هذا التحول في مسار التعاونيات النسائية بالمنطقة امتلاك المنخرطات رصيد لغوي جديد يعتمد معايير ومتطلبات السوق، في وقت كن ترفضن تماماً السفر إلى أماكن أخرى لحضور فعاليات ثقافية (معارض، مهرجانات...) للتعريف بمنتوجاتهن وتسويقها، وهو أمر لا يدعو للاستغراب في وسط محافظ ومنغلق بمنطقة سوس (جنوب المغرب).
أمام هذا الوضع كان عمل فاطمة أمهري يقتصر على الأرامل والمطلقات فقط، باعتبار أنهن وحدهن قادرات على اتخاذ قراراتهن بمعزل عن الآخرين، حيث يرفض الأزواج أن تسافر زوجاتهم وتغادرن بيوتهن من أجل الاستفادة من هذه التكوينات، رغم أن أغلبهن قضين سنوات في إنتاج زيت الأركان بالطرق التقليدية المعروفة.
مشاريع مدرة للدخل
رغم صعوبة الإقناع بضرورة الانخراط في التعاونيات، إلا أن النتائج جاءت مبهرة. تعتبر رئيسة التعاونية أنه أصبح للمنخرطات مدخول من عائدات المنتوج، وهو يختلف بحسب نسبة الإنتاج الذي يرتبط بنسبة توفر شجر الأركان، مما ساعدهن على تحقيق الاستقلال المادي وأشعرهن بأهمية ما تقمن به، وهو ما ضاعف من الطلبات التي تتلقاها التعاونية من طرف الراغبات في الانخراط، وكانت هناك صعوبة وتحدي كبيرين لإقناع إحداهن بالانضمام إلى هذه التعاونيات.
كما ساهمت المداخيل التي أصبحت تعود للمنخرطات في خلق الرغبة لتعلم تقنيات جديدة في مجال الإنتاج والمحافظة عليه، وكذلك تسويقه بطرق متطورة، فضلاً عن المشاركة في الملتقيات والمعارض التي ساعدت على كسر جدار العزلة المفروض في وقت سابق على هؤلاء النساء، حين كن تقمن باستخراج الزيت بطرق تقليدية وتكتفين بالدراهم القليلة التي تعود عليهن بعد ببيع المنتوج.
وتوضح فاطمة أمهري أن ما جعل هذه التعاونيات تستمر منذ عام 2000 إلى غاية اليوم وتحافظ على دورها الذي أنشأت من أجله هو الدخل الذي وفرته لهؤلاء النساء، وهو ما مكنهن من تحقيق بعض الاستقلالية عن الأزواج.
وفي وقت لم يكن زيت الأركان يكتسب هذه الأهمية التي يعرفها اليوم، اعتمدت التعاونية على الأسواق التجارية الكبرى لتسويق المنتوج وهو ما أكسبه شهرة، حيث تزايد الطلب عليه بشكل ملفت.
مرحلة التصدير والتحديات
ساهمت المعارض الدولية خاصة بألمانيا في التعريف بالمنتوج، وهو ما جعل التعاونية تدخل مرحلة جديدة عبر الزبون الألماني، وهي مرحلة التصدير، والبحث عن أسواق خارجية بدل الاكتفاء بالسوق المحلي. في أعوام (2011ـ2012ـ2013)، وصل زيت الأركان لشهرة عالمية وتزايد الطلب عليه، ما دفع بالمنخرطات لجلب الأركان من مناطق بعيدة لاستخراج الزيت وبيعه للأسواق الدولية.
وتعتبر فاطمة أمهري أن هذا التطور الذي حصل في تاريخ التعاونية كان سيفاً ذو حدين، فمن جهة ساعد النساء على خلق مشاريع مهمة مدرة للدخل، ومن جهة أخرى اقتحم القطاع الخاص المجال وأصبحت المنافسة شرسة.
ومع اقتحام القطاع الخاص والشركات لهذا المجال، مع كل ما حملته من تقنيات جديدة ومتطورة عبر كل المراحل بدءً بالإنتاج وانتهاءً بالتسويق، تبقى التعاونيات على حالها السابق وتكتفي بالزبائن الأوفياء دون البحث عن الاستثمارات الكبرى.
ومع ذلك تبين فاطمة أمهري أنه "لا يمكن إنكار قدمته التعاونيات النسائية في قطاع إنتاج الأركان للنساء، لأنها فتحت أمامهن الباب على مصراعيه لاقتحام السوق والانخراط بشكل فعلي في مشروع ذو أهمية كبرى وهو الحفاظ على موروث ثقافي مهم بمنطقة سوس".