"تعفير البطاطا"... مصدر دخل لا يخلو من المخاطر لأطفال نازحين في إدلب
لا تخلو مهنة التعفير من المخاطر التي تعترض الأطفال كمخلفات الحرب المنتشرة في مناطق عدة من إدلب وأريافها، ولكن ذلك لم يكن ليثني هؤلاء الأطفال عن المتابعة في عملهم مجازفين بأرواحهم وسلامتهم من أجل الحصول على قوت يومهم.
سهير الإدلبي
إدلب ـ ما أن ينتهي المزارعون في إدلب من جني محصول البطاطا خلال مدة لا تتجاوز العشرة أيام، حتى يبدأ السباق بين أطفال مخيمات ريف إدلب لالتقاط بقايا المحصول، وتعبأة ما يمكن العثور عليه من ثمار نسيها المزارعون أو أهملوا اقتلاعها، لبيع قسم منها، واستخدام القسم الآخر للأكل، هذا إن حالفهم الحظ وكانت الكمية التي يحصلون عليها جيدة.
الطفل محمد شمس الدين (13) عاماً نازح من بلدة الرفه ومقيم في مخيمات سرمدا في إدلب، يتجه مع صباح كل يوم قاطعاً بضع كيلو مترات للوصول إلى حقل البطاطا الذي يبدأ التعفير فيه منذ أكثر من يومين، وعن عمله يقول "قلما نستطيع الوصول إلى مثل تلك الحقول لبعدها عن خيمتنا، ولكن حين يكون الحقل على مقربة منا يكون فرصة بالنسبة لنا لا تعوض"، لافتةً إلى استفادته من عمله في تأمين قوت أهله من خلال توفير البطاطا التي يعتمدون عليها كطعام أساسي، وخاصةً مع ارتفاع أسعارها مؤخراً.
ويستطيع محمد شمس الدين جني أكثر من عشرة كيلو غرام من البطاطا بشكل يومي من الحقل بعد عملية بحث شاقة تستمر طيلة اليوم مع مجموعة من الأطفال الآخرين الذين يسعى كل واحد منهم للإسراع بجني ما يمكنه قبل الانتهاء من فترة التعفير القصيرة.
ويصطحب كيساً كبيراً وفأس يستخرج من خلاله حبات البطاطا من الأرض بعد البحث عنها، ويعبئها في كيسه في عملية لا تخلو من التعب، وخاصةً وأن ما يحصل عليه عادة هو من الثمار الصغيرة الحجم التي يصعب إيجادها لصغر حجمها، وقلما يجد حبات كبيرة من البطاطا التي عادةً ما يكون المزارعون قد جمعوها كلها.
وتعتبر البطاطا من الخضراوات التي يعتمد عليها النازحون بشكل أساسي نظراً لانخفاض ثمنها مقارنةً مع بقية أنواع الخضار الأخرى واللحوم، واستخدامها في صنع أطباق متعددة منها كالبطاطا المقلية والمسلوقة وغيرها.
لم ينخرط في هذه المهنة فقط الأطفال الخارجين عن مقاعد الدراسة، وإنما أيضاً من يتابعون دراستهم كالطفل ملهم العبد (12) عاماً الذي آثر التغيب عن مدرسته إلى حين انتهاء موسم التعفير في الأرض الزراعية القريبة من مخيمهم في حربنوش، فيقول "مدة التعفير في الأرض لا يتجاوز بضعة أيام، وسأعود للمدرسة فور انتهاء الموسم بعد أن أكون جمعت كمية أستطيع من خلالها مساعدة أهلي الفقراء في إيجاد ما يأكلونه".
ملهم العبد في الصف السادس الابتدائي، وهو نازح مع عائلته من قرية بسقلا في ريف إدلب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويعاني أهله من الفقر المدقع بعد فقدانهم مصدر رزقهم، وتعرضهم لشتى أنواع الفقر والظلم والإهمال في مخيماتهم التي يعيشون فيها منذ نزوحهم الأخير.
ويتمنى أن تغلق المدارس أبوابها بسرعة حتى يتمكن من إيجاد عمل ما، إضافةً لمواسم التعفير لمساعدة نفسه وأهله الغارقين في "البؤس وضنك العيش" على حد تعبيره.
ندى الجاموس (35) عاماً وهي والدة ملهم العبد لا ترى مشكلة في تغيب ابنها عن دراسته عدة أيام ريثما ينتهي موسم التعفير، فهي من وجهة نظرها لا تؤثر عليه، فهو قادر على تحصيل ما فاته من خلال مراجعة المعلمة المستمرة لما تعطيهم من دروس "إنه نشيط وذكي وقادر على تدبير أموره".
وتضيف "لولا وضعنا الصعب هنا لما وافقت على تغيبه، ولكن ما يجنيه من البطاطا يساعدنا على الاستمرار وتعيننا على مواجهة الغلاء، وإيجاد ما يسد الرمق. نحن نبحث عن لقمة العيش حتى لو كان ذلك على حساب تدريس أبنائنا، فالأوضاع هنا أصعب من أن توصف أو أن يستوعبها أحد".