نساء تقاومن قساوة العيش بمصنوعات نباتية
في وسط "الرحبة القديمة" واحدة من أشهر المواقع السياحية بساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش، تفترش نساء قرويات قادمات من ضواحي المدينة رقعة صغيرة لعرض منسوجات نباتية من الدوم تساعدهن على توفير لقمة العيش.
رجاء خيرات
مراكش ـ اختارت مجموعة من النساء ساحة جامع الفنا لعرض منسوجات نباتية عبارة عن سلال وحصائر ومفروشات وإطارات للمرايا وعلب للتخزين وقبعات وغيرها من المصنوعات النباتية المجففة الجميلة، لاستقطاب سياح مغاربة وأجانب قل إقبالهم بشكل ملحوظ على المنتوج خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
خلف كل واحدة من النساء اللواتي تفترشن الأرض داخل الرحبة القديمة قصة تدمي القلوب، هن نساء وجدن أنفسهن مسؤولات عن إعالة أسرهن وتحمل المسؤولية منذ وقت مبكر من حياتهن في ظل ظروف صعبة.
قالت إحدى الصانعات عائشة الداني "أعمل هنا داخل الرحبة القديمة منذ ثلاثين عام، بعد فترة الجائحة لم يعد هناك إقبال على المنتوجات التي نعرضها بالشكل الذي كان سائداً من قبل، حتى السياح لم يعودوا يرغبون في اقتناء المصنوعات النباتية كما كان عليه الحال من قبل".
وأوضحت "نحن نقاوم من أجل أن نوفر بالكاد لقمة العيش لأبنائنا، زوجي عامل مياومة وإذا عمل يوماً لا يعمل في اليوم التالي، أنا من أتحمل أعباء المعيشة كلها".
وعن الصعوبات التي تواجهها داخل السوق بينت أنها تضطر لاستئجار مكان تترك فيه سلعتها لكي تعاود عرضها في اليوم التالي، لأنها لا تقوى على حملها في كل مرة وجلبها، كما أنها تستعين في كل مرة بأحد الأشخاص الذي يساعدها على حمل المنتوجات وأحياناً يطلب منها أن تسدد مقابل تلك الخدمة مبلغاً من المال، حتى وإن لم توفق في البيع طيلة اليوم، أما في حال لم تتمكن من تسديد أجرة المحل الذي تترك فيه المعروضات فيطلب منها المالك أن تترك المكان لبائعة أخرى غيرها، هذه الظروف تجبر عائشة الداني أحياناً على الاكتفاء بتسديد مبلغ الآجار حتى لا تفقد المحل، بينما تتدبر أمور عيشها من جهة أخرى، بسبب قلة ما تجنيه من أرباح مما تبيع.
وأكدت بشرى أولامي وهي صانعة تقليدية تقوم بصناعة المنتوجات النباتية وجلبها من منطقة الوداية التي تبعد أكثر من 30 كيلومترا عن مراكش لتعرضها على الباعة بالرحبة القديمة.
المشوار الذي تقطعه من الورشة بقريتها حيث تعمل إلى غاية الرحبة شاق ومضن، عن هذه الرحلة شبه يومية تقول "تعلمت هذه الحرفة من والدي اللذين كانا يمارسان صناعة المنسوجات النباتية (حصائر، كراسي، مفروشات وإطارات وقبعات)، أستيقظ عند الفجر حتى أستطيع القيام بأعباء البيت، ثم أحمل البضاعة وأستقل أي وسيلة نقل أجدها في القرية لكي أصل إلى السوق عند الساعة التاسعة أو العاشرة، وأقضي اليوم في عرض المنتوج على الباعة، لا أنجح في بيع كل ما أجلبه معي، فأضطر لحمله من جديد والعودة أدراجي إلى قريتي، إنها رحلة شاقة لكنني مضطرة للقيام بها حتى أؤمن قوت أبنائي، زوجي ضرير ولا يقوى على العمل، ولدي خمسة أبناء يحتاجون لمصاريف الدراسة والأكل والملبس وغيرها من المصاريف التي ينبغي تأمينها رغم كل الظروف".
وأكدت كغيرها من الصانعات على أن أصحاب البازارات هم المستفيدون من هذه المنتوجات التي يأخذونها بثمن بخس ويبيعونها بثمن مرتفع للسياح، في حين أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هو الصانعة التقليدية التي لا تجني إلا القليل من كل ما تنتجه.
وأوضحت أن الصناعة التقليدية هي وجه المغرب الثقافي وبدونها لا تستقيم السياحة، والصانعة التقليدية هي محور كل ذلك لكنها لا تستفيد شيئاً من كل ما تنتجه، لأنها تتعرض لاستغلال التجار الكبار (البازارات) "نحن نقاوم لكي نستطيع أن نوفر لفلذات أكبادنا لقمة العيش في ظل ظروف قاسية".
تذكر حفيظة السلافي إحدى البائعات بالسوق أنها منذ وطأة قدمها السوق وهي تتقاذفها الظروف، تارة تبتسم لها الحياة وتبيع بشكل وافر وتارة بالكاد تبيع قطعة أو قطعتين في اليوم.
وعن طبيعة عملها قالت "أقوم بوضع بعض الرموز والعبارات على السلال بناء على طلب السائح، هذه الطريقة يفضلها السياح لأنهم يحضرون العملية من بدايتها كما يجعلهم يرون عن قرب كيف تعمل الصانعة التقليدية، وهو أسلوب محبب لديهم".
من جهتها أوضحت حادة أولامي أنها تقضي اليوم بأكمله تعرض السلع على التجار، وفي آخر اليوم تعود أدراجها إلى قريتها، أحياناً بمبلغ مرضي وأحياناً بدون أي شيء.
ترفض حادة أولامي أن تعمل بناتها خوفاً عليهن، مما يمكن أن يتعرضن له داخل السوق "أقطن بمنطقة الوداية التي تبعد عن مراكش حوالي ثلاثين كيلومترا، نستقل أحيانا ثلاث وسائل نقل للوصول إلى السوق محملات بالبضاعة. ظروف حياتنا صعبة، وأحياناً كل ما نجنيه من بيع السلع لا يكفي لتسديد ديون تجار المواد الأولية ومستحقات التنقل بين القرية والسوق"، قائلة "لا أريد أن تعيش بناتي نفس الظروف التي أعيشها. أريد لهن حياة أخرى، لذلك أحثهن على الدراسة حتى تكون لهن حياة أفضل".
لا تختلف ظروف حادة أولامي كثيراً عن مثيلاتها من الصانعات التقليديات الأخريات، فرغم الظروف القاسية التي يعشنها والتي ساءت بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة، حيث ارتفع ثمن المواد الأولية "الدوم" التي يعتمدن عليها في صناعة المنتوجات النباتية، بينما ثمن المنسوجات ظلت كما هي، الشيء الذي قلص من هامش الربح لديهن.
فهن لا تتقن غير هذه الصنعة التي تعلمنها بقراهن المتاخمة لمراكش، والتي تعتمدن عليها بشكل كبير لكسب لقمة عيش ليس بالسهل توفيرها مع موجة الغلاء التي تعرفها البلاد مع تداعيات الزلزال وقبله الجائحة.
وأكدت النساء أن السائح لم يعد كما كان والإقبال على هذه المنتوجات تقلص بشكل كبير، بسبب الأزمة الاقتصادية والغلاء، وهو ما عبرت عنه العديد من الصانعات بعبارة "نقتلع اللقمة من فم الأسد" كما يقال.