ما هي الأوضاع التي تعيشها المزارعات الأردنيات؟
تعاني المزارعات في الأردن من أوضاع صعبة في ظل غياب الاهتمام والرعاية من قبل الحكومة، وحتى الآن لم يتخذ إي اجراءات للحد من معاناتهن والوصول إلى حلول تؤمن لهن أبسط حقوقهن.
ندين المعايطة
عمان ـ تسعى المرأة الأردنية دائماً لإحداث تغيير في المجتمع، والمشاركة في كافة المجالات متحدية العادات والتقاليد البالية، إلا أنه وبالرغم من أن العالم يعيش في القرن الواحد والعشرين، لا تزال مشاركة النساء الاقتصادية متواضعة في الأردن مع بقاء العديد منهن ضحايا عنف المجتمع.
في مساع حثيثة لعكس صورة عن المرأة الأردنية القوية والصامدة التي تحقق ما تريد، تقف في الظل مزارعات سلب منهن حقهن وتم استغلالهن لتعملن ساعات طويلة وبأجر زهيد، وضمن بيئة عملية قاسية، ومحاولات تحرش تأبين الإفصاح عنها خوفاً من فقدان عملهن.
تقول ظبية الغزاوي وهي مزارعة ورئيسة جمعية الشمعة الخيرية لرعاية الأسرة في الأغوار الشمالية، أن المنطقة تتميز بنمط الحياة الريفية والحضرية ويعتمد السكان بشكل أساسي على الزراعة، إلا أن درجات الحرارة هناك مرتفعة جداً وهو ما يسبب حروقاً للجلد، وتعاني منه معظم المزارعات اللواتي تعملن لساعات طويلة في ظل غياب أبسط وسائل الحماية أثناء العمل.
وعن الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي تقول إنه لم يكن هناك إلا شعارات ووعود ولا شيء يطبق على أرض الواقع، مشيرة إلى أن العديد من المزارعات تتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي من قبل الرجال، حيث هناك فتيات لم تتجاوز أعمارهن الـ 15 عاماً اللواتي تعملن في القطاع الزراعي، تعرضن لمحاولات تحرش لم تفصحن عنها خوفاً من ألا يصدقهن أحد مع غياب الدليل إذا طلب، وعدم السماح لهن في العمل مرة أخرى، ليكون الصمت هو الخيار الوحيد أمامهن.
وأوضحت أن جمعية الشمعة الخيرية لرعاية الأسرة عضو فيما يسمى بـ "الاتحاد النوعي للمزارعات"، وهي الجهة الوحيدة التي تم الوصول إليها لنقل معاناة ومشاكل المزارعات حيث منح 500 مزارعة تأمين صحي وضمان اجتماعي، إلا أن ظبية الغزاوي تؤكد على أن ذلك لا يكفي، داعيةً إلى منح جميع المزارعات تأمينات صحية وضمان اجتماعي.
وعن المفارقة بين الجنسين في العمل الزراعي وفرق الأجور توضح المزارعات اللواتي التقت بهن وكالتنا، أن الرجال يأخذون ضعف الأجر الذي تتلقاه المرأة، في هيمنة ذكورية واضحة، مع أن المزارعات تبذلن جهوداً مضاعفة أثناء عملهن مقارنة مع الرجال.
ولفتن إلى الصور النمطية التي يفرضها المجتمع الذكوري، فالمزارعين الرجال يرفضون العمل في بعض المهام كزراعة الملوخية وقطف البامية بقولهم إنه عمل خاص بالنساء، بالإضافة إلى غياب التأمين الصحي ووسائل النقل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مشيرات إلى أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية رفع من ثمن أجرة وسيلة النقل، وهو ما يؤدي إلى صرف المزارعات ما تتقاضينه من أجر زهيد في عملها طوال اليوم على المواصلات، لتقف عاجزة عن الإنفاق على نفسها وسد احتياجات أسرتها.
وأوضحن أن غياب وسائل النقل أدى إلى فقدان العديد من المزارعات حياتهن، فأثناء عملهن في المزارع تتعرضن للدغات من العقارب والأفاعي ليصبح من الصعب نقلهن للمستشفى لينتشر السم في جسد المصابة وتفارق الحياة دون أي حساب أو عقاب للجهة المسؤولة أو حتى تعويض لأسرة المزارعة.
تقول المزارعة نسرين الغزاوي أنها تعمل يومياً في المزارع بأجر لا يزيد عن ٥ دنانير لكل أربع ساعات، ويصرف المبلغ مباشرةً بعد العودة من العمل في تأمين احتياجات منزلية ضرورية كالخبز، مشيرةً إلى التمييز الذي تتعرضن له من حيث الأجور "بالرغم من أن النساء تجهدن وتعملن بكل طاقتهن إلا أن الرجال يأخذون أجراً يفوق ما تتقاضينه".
من جانبها قالت المزارعة حنان طويسات أنها تعمل من الساعة الخامسة فجراً وحتى الساعة الرابعة عصراً بأجر زهيد في ظروف صعبة وسيئة، مع غياب التأمين فإذا عملت اليوم قد لا تعمل غداً، مؤكدة على التمييز بين الجنسين في العمل والأجر وساعات العمل.
غدير عبد الرحمن وهي مزارعة في الأغوار الشمالية تقول "إن التميز والاستغلال دائماً ما يمارس ضد المزارعات المعيلات لأسرهن، إن المزارعات تعانين كثيراً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى العمل في ظل الأجواء الحارة في فصل الصيف فالعديد منهن تفقدن حياتهن خلال العمل"، لافتةً إلى أن المزارعات لا تملكن ضمانات اجتماعية وتأمين صحي".
مشاريع صغيرة
وسط ما تمر به العديد من المزارعات يبقى الأمل حاضراً، والبحث عن سبل النجاة قائم، لتحلمن بمشاريع متواضعة وبأدوات بسيطة، وبدخل مادي قليل لعله يسد جزءً بسيطاً مما أثقل كاهلهن من التزامات، من بينها مشروع زراعة الفطر، حيث تم تقديم تدريب مجاني للنساء لتتعرفن على طريقة زراعة الفطر مع توفير أدوات بسيطة للنهوض به، ولكن يبقى التسويق لمثل هكذا مشاريع صعب جداً لغياب الدعم المادي.
وفي ظل غياب متابعة ملف المزارعات في الأردن والذي بقي حبيس الأدراج لسنوات، تبقى المزارعات وحتى هذه اللحظة تسطر وفي كل يوم عمل جديد معاناة ومأساة حقيقية وغياب لأبسط حقوقهن.
تقول مديرة البرامج في جمعية معهد تضامن النساء رنا أبو السندس أن الأردنيات تسعين للمشاركة في المجال الاقتصادي من أوسع أبوابه، لذا تلجأن إلى تمكين أنفسهن وافتتاح مشاريع صغيرة تؤمن من خلاله اكتفائهن الذاتي.
وأوضحت أن الاستقلال الاقتصادي يساعد المرأة على حماية نفسها من العنف، كما أنها بذلك تلعب دورها في تطوير المجتمع، ويمكنها من تحقيق العديد من الإنجازات.
ولفتت إلى أنه بالمشاركة مع معهد تضامن أطلق مشروع سنابل والذي تم تنفيذه على أكثر من مرحلة، حيث تم توفير التوعية بالمعلومات القانونية الخاصة بالتمكين الاقتصادي، والتشريعات ذات العلاقة في العمل، وإيجاد بيئة داعمة للنساء، ومن ثم بناء قدراتهن في المعرفة والمهارة اللازمة لدخول سوق العمل وتحويل الموارد البسيطة إلى مشاريع مدرة للدخل والتي تنعكس بشكل إيجابي على المرأة والأسرة والمجتمع.