في ظل النزاع سودانيات تنجحن في تغيير واقعهن

النساء الملهمات أثبتن أنهن قادرات على مواجهة التحديات والعراقيل، فقد نجحت المرأة في تحويل رؤيتها إلى مشاريع تغير من واقعها نحو الأفضل.

ميساء القاضي

السودان ـ في خضم الوضع الاقتصادي الصعب والظروف القاسية التي تسبب بها النزاع الدائر في السودان منذ ما يقارب العام ونصف، تسعى السودانيات لإثبات ذواتهن من خلال مشاريع بسيطة اثبتن قدرة المرأة على الاستمرار والنجاح.

إحدى القصص الملهمة قصة إسلام سر الختم التي تنضم للكثير من السودانيات اللواتي تعانين الفقر والتهميش على الرغم من أنها تحمل شهادة جامعية، مؤكدةً أن معاناتها بدأت قبل وقوع النزاع عندما كانت تحاول الحصول على التدريب، حينها فكرت بإطلاق مشروع صغير، الأمر الذي دفعها لذلك قلة الدخل اللازم لتطوير ذاتها في مجال دراستها بعد أن تخرجت من كلية الهندسة الطبية وللحصول على المال الكافي للمشاركة بتدريبات من شأنها أن تزيد من خبرتها لتحصل على عمل كمهندسة كهرباء.

وأضافت أنها بدأت مشروعها في صناعة العطور المعروفة محلياً باسم (السرتية) والتي كانت تستورد من الخارج بالإضافة إلى منتجات أخرى توقفت عن عملها لعدم توفر المواد المستخدمة، لافتةً إلى أن السرتية تستخدم في كثير من الصناعات التقليدية مثل صناعة العطور كما تستخدمها النساء مع الحناء لتمنحها اللون الأسود الذي تشتهر به السودانيات، وكانت السرتية تستورد من الهند، وقد تمكنت إسلام سر الختم من منافسة المستورد منه وتقديم منتج عالي الجودة ومنافس في الأسعار.

 بعد اندلاع النزاع خسرت الكثير لكنها واصلت مشروعها في صناعة السرتية وبعد نزوحها إلى الولاية الشمالية دخلت شريكاً مع مجموعة من الأشخاص في صناعة الصابون إلا أنها عانت من عدم توفر المواد الخام وقلة رأس المال لكنها نجحت في بداية مشروع وتمكنت من عرض منتوجاتها في السوق المحلي ووجدت رواجاً كبيراً "تعلمت صناعة السرتية من خلال الدروس والورش، هناك العديد من الأشياء التي يمكن أن يقوم الشخص بتعلمها عن طريق التدريبات المعنية بتعليم صناعة العديد من الأشياء لتصبح مصدر دخل".

وقالت إنها لم تبدأ من الصفر بعد اندلاع النزاع بل بدأت من حيث توقفت كونها اكتسبت الخبرة الكافية "واجهتني مشاكل في التوزيع والتسويق، كذلك واجهتني مشكلة توفير العبوات المستخدمة في التعبئة حيث أن أسعارها مرتفعة كون المصانع في مدينة أخرى ولا توجد مصانع هنا للعبوات الفارغة، وقد ساعدني الأشخاص الذين عملت معهم في تصنيع الصابون وتسويقه".

وجهت إسلام سر الختم رسالة للجهات المختصة والمسؤولين لتوفير فرص تدريب في جميع المجالات "الخريجون الجدد يحتاجون للمساعدة في كل التخصصات خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد".

 

 

حال السعودية دعاء خالد طالبة بكلية الطب لا يختلف كثيراً عن حال إسلام سر الختم، فقد قادتها هوايتها في الرسم والتلوين لبدء مشروعها الخاص رغم دراستها للطب الذي يأخذ الكثير من وقتها لكنها مع ذلك تجد وقتاً كافياً لممارسة هوايتها التي نجحت في تطويرها لتصبح بعد فترة وجيزة صاحبة أكبر متجر إلكتروني للهدايا بالولاية الشمالية ،"أقضي وقتاً كافياً في الرسم إلى جانب ميولي للمجال الإنساني فقد وجدت أن الطب يحقق لي غايتي في مساعدة الأخرين وحالياً حققت النجاح في المجالين حيث واصلت دراسة الطب إلى جانب ممارستي لهوايتي المفضلة".

نشأت دعاء خالد وترعرعت في السعودية، إلا أنها التحقت بكلية الطب وعاشت في الولاية الشمالية بالسودان بينما كانت أسرتها تعيش في الخرطوم، "بدأت عملي بصنع فواصل الكتب وسلاسل للمفاتيح ولاحظت أن الفتيات كن تشترين مني هذه الأشياء بغرض إهدائها لبعضهن ففكرت بتوسيع عملي وذلك بافتتاح متجر للهدايا بالإضافة للأشياء التي كنت أصممها، طورت من عملي فأصبحت أصمم الملصقات الإعلانية إلى جانب تزيين لوازم الأفراح مثل "الشيلة" وهدايا أهل العروسين والمدعوين".

وعن بداياتها قالت "لم يكن لدي أجهزة طباعة ولا تغليف ولم يكن لدي حتى أوراق لذلك كنت استعين بمحلات الطباعة وكانت هناك الكثير من المعاناة سببها الانقطاع المتكرر للكهرباء، لكن حالياً أملك أجهزتي الخاصة وكلها في المنزل وأقوم بتوصيل الهدايا إلى كل أنحاء الولاية الشمالية حتى إلى المناطق والقرى البعيدة بالإضافة لولاية نهر النيل، وأطمح أن يكون لدي فروع في جميع أنحاء السودان وخارجه".

وعن تأثير الظروف على الإنسان وكيف تجعل منه شخص أقوى كالنزاع الدائرة في السودان، قالت دعاء خالد "لقد أحدث النازحون تأثيراً إيجابياً في كل مكان ببدئهم مشاريع صغيرة ومحاولتهم النهوض من جديد والتغلب على الظروف الصعبة، فالصراع والنزوح ولدا أفكار ومشاريع جديدة فكما يقال المعاناة تولد الإبداع، ومع كل جانب مظلم هناك جانب مشرق أي أنه ليس هناك ظلام كامل".

وفي ختام حديثها وجهت دعاء خالد رسالة للفتيات والنساء "أقول لأي فتاة ابدأي مشروعاً لا تتوقفي، أنا لم يكن لدي رأس مال إلا أنني بدأت عملي باقتراض مبلغ من صاحب المكتبة التي كنت اعمل مع لأقوم بتصميم فواصل الكتب ومن المبيعات أسدد له الدين، لم تكن لديّ ميزانية لكن توسع عملي حالياً وأصبحت أستورد المواد من خارج البلاد، عليكِ أن تبدئي فقط".