أسست مصنع خشب أخضر في إحدى قرى مصر متحدية جميع العوائق التي واجهتها

تناضل الكثير من النساء في وجه التنميط المجتمعي والقوالب التي تحاصرن بها خاصة في مجال العمل دون النظر لما يمتلكنه من أدوات ومهارات قد تفوق الذكور خاصة في مجال الحرف اليدوية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ خاضت سعدية الغمراوية العديد من المعارك مع ذاتها أولاً ثم البيئة المحيطة بها، درست في عدد من المجالات منها علم النفس والتمثيل والتسويق، إلى أن تمكنت من اكتشاف موهبتها بتصميم الأثاث المنزلي.

عند الدخول إلى مصنعها في واحدة من قرى الريفية نجدنا أمام فتاة غير تقليدية كاسرة لمختلف الأطر التنميطية التي توضع فيها النساء، فهي تعمل بيدها وسط الأخشاب لتخرج بقطع أثاث مختلفة من نوعها لكونها ترى أنها ليست نجارة أو صانعة أثاث منزلي أو حتى مقلدة لما هو سائد من أفكار متعلقة بالديكور وغيرها من الأمور الدارجة ولكنها "ترزية موبيليا" كما تحب أن تصف نفسها لكونها تلبي احتياجات كل شخص على حدى وهو الأمر الذي يجعلها مختلفة في كل ما تنتجه عن السائد.

خاضت سعدية الغمراوية العديد من المعارك مع ذاتها أولاً ثم البيئة المحيطة بها، فهي فتاة ريفية تعيش بقرية عباس العقاد في محافظة البحيرة، وذهبت للقاهرة لسنوات طويلة لتدرس في عدد من المجالات منها علم النفس والتمثيل والتسويق، في رحلة بحثها عن ذاتها حتى تمكنت من اكتشاف موهبتها المتعلقة بتصميم الأثاث المنزلي، ومن هنا بدأت في القاهرة عملها ثم قررت أن تعود لمسقط رأسها لتستكمل ما بدأته في مشروعها "مصنع خشب أخضر للأثاث المنزلي".

وانطلقت كاسرة كل ما أشيع عن فتاة القرية الريفية من أفكار تقليدية لتقف في مصنعها وسط العمال وتنفذ عملها الذي أحبته دون النظر لما سيتردد عنها، مواجهة كل التحديات التي قد تعيق الفتيات في مسيرتهن نحو تحقيق أحلامهن، بل وطارحة عدد من الأفكار الجديدة والثقافات في الوسط المحيط بها، لتخلق نموذج مختلف عن النساء القرويات في خطواتها الثابتة القوية نحو طموحها وأحلامها الخاصة بمستقبلها.

وعن بداية شغفها بهذا المجال ومراحل تطورها فيه قالت "بدأ الأمر منذ نحو 5 سنوات حينما قررت العمل فريلانسر على تصميمات عيد الميلاد والديكور وأنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ومع زيادة الإقبال استأجرت غرفة في "وورك سبيس"، وبدأت العمل.

وأضافت "لقيت خطواتي الأولى احتفاء كبير من المحيطين بي في القاهرة حينها، وزاد الطلب على ما أنتجه، ولكنى كنت أبحث عن شيء مفقود أثناء عملي وأشعر دائماً أن هناك ما يجب عليه فعله لأحسن من منتجي وهو ما جعلني أتعطل كثيراً فقررت أن أذهب لطبيب نفسي حينها لأعرف عن ذاتي وأسباب عدم تمكني من المواصلة والتشتت خاصة أني درست عدد من المجالات كعلم النفس والتمثيل والتسويق وغيرها".

وحول انتقال مشروعها من القاهرة إلى الريف قالت "بدأ مصنعي الذي حمل اسم خشب أخضر في القاهرة التي عشت بها نحو الـ 12 عام، ثم انتقلت به إلى الزقازيق في محافظة الشرقية وأخيراً تشجعت وقررت العودة حيث أنتمي إلى قريتي "عباس العقاد" بمحافظة البحيرة، وهو أمر يحمل الكثير من الجرأة فقد عشت لسنوات أهرب من تلك البيئة القاسية وضعيفة الإمكانيات ولكني وجدتها أنسب مكان يمكنني الإبداع من خلاله فهي تعبر أن رؤية مصنعي ومنتجاتي حيث البساطة في كل شيء واستخدام الإمكانيات والأدوات الطبيعية، وكوني أعتبر نفسي "ترزية موبيليا" لذلك كنت حريصة على تفصيل الأساس بحسب مقاسات واحتياجات وإمكانيات كل فرد على حدى مما جعل منتجاتي جزء من هوية مقتنيها".

وأوضحت "استكمالاً لرؤيتي وأهدافي من المصنع حرصت أن يصبح جميع العاملين به من الريف ليتمكنوا من المنافسة، ولدى طموح أن يصبح لدي خط إنتاج خارج مصر، وأسعى لجعل العاملين في قريتي حاملين لأفكار تتعلق بالتصميم على غرار مهندسي الديكور".

وقالت "وجودي في قريتي جعلني أفكر أيضاً في طفولتي واحتياجاتي التي لم أجدها حينها فوجهت جانب من اهتمامي للصغار محاولة أن أساعدهم في استكشاف ذواتهم مبكراً من خلال بعض الأنشطة البسيطة، كما أني أعمل على كسر النمط السائد للفتاة وكذلك النظرة الدونية لها مقارنة بالذكور، وأصمم مجموعة من الألعاب التي تعتمد على الخشب ليصبح لدى أطفال القرية مقتنيات تعينهم على بيئتهم ضعيفة الخدمات والإمكانيات".

وعن التحديات التي تواجهها قالت "هناك مئات التحديات التي تواجهني منها أني انافس آخرين لديهم جميع الإمكانيات، بينما أعمل من قرية محدودة الخدمات تماماً ولا يتوفر بها الأدوات اللازمة لعملي وهو أمر أسعى بكل السبل نحو تجاوزه، وكوني امرأة تعيش في قرية عدد كبير منها لا يؤمن بفكرة عمل النساء تحدي آخر خاصة أني مختلفة عن سكانها شكلاً ومضموناً ولا أجد قبول واسع بين المواطنين أو أسلوب حياتي خاصة أن البعض قد يراني أشكل خطراً على أطفالهم ويخشون تقليدهن لي وهو أيضاً عائق أسعى لتجاوزه، وهناك قناعة أن النساء قليلي الموهبة وغير جادات في عملهن في المجالات التقليدية وهو أمر يتضاعف في حال ارتباطه بمهنة يهيمن عليها الذكور كصناعة الأثاث المنزلي وهو أمر يدفعني دائماً للابتكار والإبداع في محاولة لتجاوزه وعدم الوقوف عند ما يعتقده الآخرين في قدرة المرأة وتحملها وجديتها.

وأوضحت أن "دراستي لعلم النفس ساعدتني كثيراً في فهم أفكار المحيطين بي وتأكدي من أن الأمر لا يتعلق بشخصي وأن أي امرأة تقوم بما أفعله ستواجه نفس التحديات والمضايقات لكون ذلك متعلق بطبيعة البيئة التي قررت أن أعمل بها، وفي مجال عملي المنافسة كبيرة والجانب الأعظم منها مع الذكور الذين قد يتجهون لفكرة تشويه السمعة والإساءة لي باعتبار أن ذلك أيضاً ينتقص من قدر النساء ويفقد الثقة بهن وهو أمر أيضاً أحرص على مواجهته بحسم وعدم جعله نقطة ضعف قد يتم الضغط بها من أجل إحباطي".

وعن الحلول التي يمكنها حماية النساء العاملات خاصة من يقررن العمل في مجالات لا تقبلها الثقافة المجتمعية السائدة، أشارت إلى أن "هناك الكثير من أدوات الحماية وعلى رأسها تفعيل القوانين التي تحمي النساء خاصة تجاه الممارسات العنيفة جسدية كانت أو لفظية ومختلف الانتهاكات الخاصة بمساحات الفتيات الخاصة، فالقانون هو الرادع الأهم والأكثر تأثيراً على الجميع سواء في القرية أو المدينة".

وأوضحت أن "هناك جانب تتحمله الفتيات أنفسهن في عدم تصديقهن لأنفسهن والإيمان بحقوقهن الإنسانية التي لا تقل عن الذكور وهو أمر يتعلق بالتربية الذكورية للنساء وجعلهن جزء من أدوات القمع التي تمارس ضدهن في تبرير تعنيف الرجال لهن ومنحهن الحق في ذلك".