آسليهان تويلو أوغلو... مهندسة وشاعرة وحرفية

آسليهان تويلو أوغلو، مهندسة، شاعرة وكاتبة، وهي الآن تعمل كحرفية

زينب بهليفان
إزمير- . وبفضل ثقتها بنفسها وشخصيتها القوية أوجدت لنفسها فرصاً جديدة في الحياة. ولأنها أثارت انتباهي كثيراً، فقد ارتأيت أن أزورها. وفي يوم مشمس من أيام إزمير توجهت إليها مستقلة قطار الضواحي. كنت أحمل معي كتاب الشاعرة الذي يحمل عنوان "ليل العصافير"، قراءة الكتاب سَهل علي عناء السفر. أتحمس كثيراً للقاء شاعرة تقول في كتابها "أكتب، الكتابة نوع من أنواع اليأس، كأن تفتح رسالة ممزقة وتقرأها"، وبهذا الحماس وصلت إلى حي كارشيا كايا. تستقبلني آسليهان، وتتحدث إلي بدفء كدفء مطعمها الصغير.
 
حازت على جائزة آتيلا إلهان 
ولدت آسليهان تويلو أوغلو في الثاني من شهر نيسان/أبريل عام 1972. عملت في مجال الهندسة المدنية لمدة 9 أعوام، لكنها لم تغفل يوماً عن كتابة الشعر. تستغل أوقات فراغها في مراجعة القصائد التي دونتها على مدى سنوات في دفترها. في عام 2003 انضمت إلى ورشة شعرية. تسعى من خلال مشاركتها في الورشة، تحسين مستواها في مجال كتابة الشعر بالاستفادة من تجارب ونصائح معلمها، الشاعر والناقد فيصل جولاق. وبعد جهود استمرت 5 أعوام، صدرت أول مجموعة شعرية لها عن دار نشر "بلكون". وفيما بعد صدر لها سلسة كتب بعنوان "مياه منحدرة، قصة امرأة وليل العصافير". إضافة إلى صدور كتابين بعنوان "قصائد أولكو تامر، وكل شاعر مسدس". وحازت بفضل نتاجاتها على عدة جوائز منها جائزة آتيلا إلهان الشعرية التي منحتها بلدية كارشيا كايا.
بسبب ظروف عمل والدها، انتقلت آسليهان أوغلو مع عائلتها بين عدة مدن تركية منذ طفولتها. ونظراً للانتقال المتواصل بين المدن فأنها عانت من الوحدة، وتقول أنها عاشت طفولة صعبة. ولذلك فإن الكتاب يعتبر من أقرب أصدقاء آسليهان. حيث توطدت علاقتها مع الكتب والكتابة والقراءة، هذه العلاقة الوطيدة مع الكتب والمطالعة ساعدها بالتفوق في دراستها. حتى أن آسليهان كانت الأولى في دراستها حتى اجتازت المرحلة الثانوية. ولم تقتصر علاقة آسليهان الوطيدة مع الرياضيات، بل أنها اهتمت بالأدب أيضاً. إلا أن حبها لمادة الرياضيات دفعها لدراسة الهندسة. وحول ذلك تقول آسليهان:
"كان والدي موظفاً حكومياً، لذلك فقد عشت حياتي متنقلة بين العديد من مدن آناتوليا. عشت حياتي كلها في آناتوليا. عشت طفولة وحيدة وصعبة. وهذا الأمر يعود إلى طبيعتي الشخصية وكذلك بسبب التنقل المتواصل. في تلك الفترة أصبح الشعر والكتب من أصدقائي المقربين. وبشكل خاص تلك الكتب التي كانت موجودة في مكتبة والدي، كُتاب تلك الكتب أصبحوا أصدقائي المقربين، أصبحوا أصدقائي الدائمين. دراستي كانت جيدة جداً، سواء في مادة الرياضيات أو في المواد الأدبية".
 
كانت على علاقة متواصلة مع الشعر
تلقت آسليهان أوغلو الدعم والمساندة من عائلتها فيما يتعلق بتشجيعها على الدراسة، وقد استفادت هي من هذا الدعم كثيراً. قد يبدو الأمر غريباً نوعاً ما بالنسبة لأجيال اليوم، ولكن في ظروف تلك الفترة لم يكن من السهولة القبول بذهاب الأطفال الإناث إلى المدارس. وقد استغلت آسليهان هذه الفرصة التي أتيحت لها بشكل جيد، ودرست في مجال الهندسة الإلكترونية. وفي تلك الفترة لم تتخلى عن هوسها بالشعر. وبعد تخرجها من الجامعة عملت في مجال الهندسة، ولأن طبيعة عملها كانت مرتبطة بإقامة مشاريع معينة، فإن عملها كان متقطعاً. لذلك كان لا بد لها البحث عن عمل بديل. وفي النهاية قررت التفرغ للعمل على قصائدها التي كتبتها على مدى سنوات.
"حياتي في مجال الهندسة كانت صعبة وعصيبة. عملت في مجال الهندسية ميدانياً، في بعض المشاريع، وعندما تنتهي المشاريع كنت اضطر للبحث عن عمل جديد، وأنا لم أقبل ذلك. لذلك قررت التفرغ لقصائدي. كنت قد كتبتها على فترات طويلة ولكنني لم أكن تفرغت لها".
 
الهندسة.. الشعر والمهنة
تقول آسليهان أوغلو أنها بعد أن قررت العيش في إزمير، أصبح من السهولة بمكان الحصول على الكتب، وسنحت لها الفرصة للانضمام إلى ورشات عمل خاصة بالشعر، الأمر الذي سهل عليها العمل.
وتوج عملها على مدى خمسة أعوام متواصلة بإصدار أول مجموعة شعرية. ولكن وللأسف ففي وطننا لا يمكن لأحد تأمين معيشته من تأليف وإصدار الكتب. ولذلك فإن معظم المشتغلين في مجال الكتابة، وتفرغوا لها، يضطرون إلى إيجاد عمل لتأمين معيشتهم. وبالنظر إلى حال معظم كتابنا المخضرمين والمعروفين فإننا نجد أنهم أمضوا حياة صعبة من الناحية المادية. وآسليهان أوغلو واحدة من أولئك، وتضيف حول ذلك:
"في البداية عملت في الهندسة، عملت ميدانياً، ولكن العمل لم يكن سهلاً، كما أنني شعرت بالإنهاك الجسدي بعد فترة من العمل، كما أن العمل لا يساهم في تغيير وتحسين وضعي. زوجي أيضاً يعمل مهندساً، وكلانا لم نجد أي متعة أو فائدة من عملنا في مجال الهندسة. لذلك فكرنا بافتتاح مقهى أو كافتيريا. وفيما بعد رأينا مطعماً للشاورما، وقد أعجبنا كثيراً. لم نكن عملنا في هذا المجال سابقاً. وبعد هذا العمر لا بد أنه من الصعب علينا تعلم المهنة، وكما توقعنا فقد كان الأمر صعباً جداً علينا، ولكن بدون أن نبذل الجهد لا نستطيع فعل ما نريد. لقد اهتممنا بكل شيء، بدءاً من غسل الأواني، وحتى تنظيف المكان، من التغليف وحتى قطع الشاورما، لقد كانت مرحلة مختلفة بالنسبة لنا".
 
في مجموعاتي الشعرية الأخيرة يظهر تأثير بيئة عملي المهنية
العمل المهني عمل غريب على آسليهان أوغلو. لأنها أصلاً تفكر في الشعر، وهي تصف عملها بأنها مرصد مراقبة. نستطيع أن نقول أنها صاحبة المحل، كما أنها تغسل الأواني، وتعمل في كل الأعمال. وهي تشكو من عملها لأنه يستغرق جل وقتها، ولا تستطيع فعل ما تريد كما كانت تفعل سابقاً، ولا تستطيع كتابة الشعر متى ما أرادت. تقول آسليهان أن مجموعتها الشعرية الأخيرة تذخر بآثار مهنتها، وتقول في ذلك: 
"نحن الكتاب، نحب المراقبة كثيراً. نحن لا نستطيع أن نجرب ونعيش كل شيء، ولكننا بالتأكيد نراقب كثيراً. أنا صاحبة هذا المحل وعاملة فيه، أضع الكرسي أمام المحل، وكأنني صاحبة هذا الشارع، هذا الكرسي هو مرصدي للمراقبة. على الدوام كنت أقف أمام صندوق المحاسبة، ولكنني الآن صاحبة المحل وأقف خلف صندوق المحاسبة. وهذه تجربة جديدة. وذلك المكان أيضاً بالنسبة لي مرصد جديد للمراقبة. وهذا الأمر ينعكس على قصائدي أيضاً. بسبب الظروف المعيشية فإن جميع الشعراء يضطرون للعمل في الأعمال الأخرى. نفتح المحل في ساعات الصباح الباكرة. ونعود إلى المنزل في ساعة متأخرة. ولهذا الأمر جوانب سلبية بالنسبة لي، فأنا لا أجد الوقت الكافي لنفسي. العديد من المجلات تطلب مني الكتابة لها، كما أن لدي دراسات حول الشعر ارغب بالعمل عليها. أنا لا أتخلى عن الشعر أبداً، أشعر بالإلهام دائماً ولكنني لا أجد الوقت الكافي للتفرغ وكتابة القصيدة. كتابة القصيدة تستوجب أن تكون وحيداً نوعاً ما، وأنا لم تسنح لي الفرصة للبقاء وحيدة منذ مدة طويلة، ولكنني تعودت نوعا ما على الأمر".
 
النساء قويات جداً
تعمل آسليهان أوغلو في مطعمها الخاص منذ حوالي عام، وأنشأت علاقات جيدة مع بقية الحرفيين.
"في محيطنا يوجد العديد من الحرفيات، أو النساء اللواتي نسميهن بصاحبات العمل. لا اشعر بالغربة ابداً في هذا المحيط. هناك من تعملن لوحدهن، وبعضهن تعملن إلى جانب أزواجهن. أحياناً يناديني البعض بـ "المعلم"، لكنني أغسل الأواني أيضاً. لم يستغربوا من عملي في مجال الشاورما بقدر ما استغربوا من كوني شاعرة. يقولون لي، كيف أن لديكِ كتب، وأنكِ شاعرة، ويشعرون بالاستغراب. هم يستغربون لأنهم لا يعلمون الأمر. الحقيقة إنه لأمر ممتع أن تتمكن من العمل كمهندسة أو شاعرة أو حرفية، أي أن تعمل في عدة أعمال. هكذا انظر إلى الأمر، ولكنني وفي خضم كل هذه الأعمال لا زلت قادرة على كتابة الشعر، وهذا الامر يسعدني كثيراً. لذلك فأنا أعتقد أن النساء يتمتعن بقوة كبيرة، ويستطعن فعل كل ما يرغبن به".