التمكين الاقتصادي للنساء في أغلب قرى صعيد مصر رهن إرادة الرجال
واحدة من آليات تمكين النساء على مستوى القرارات ورفض الممارسات الغير لائقة تتمثل في قدرتها الاقتصادية على الاستقلال عن الرجال بالإنفاق على نفسها ومن يحيطون بها، وفي محافظة قنا الرجال زمام سوق العمل خاصة التجاري منه.
أسماء فتحي
القاهرة ـ رغم أن هناك عدد من النساء تمكن من النجاح وخوض غمار السوق التجاري بل والارتقاء للتصنيع، إلا أن الكثيرات لا تمتلكن حق التقرير والتصرف في أموالهن دون موافقة الرجل.
فعدم امتلاك النساء حق تقرير المصير حال دون تمكنهن من تنفيذ مشاريعهن الخاصة وجعل عملهن مقتصر على بعض المشاركات الصغيرة التي لا تعبر إلا عن واقع يحتاج لجهد توعوي ودعم مادي للنهوض بنسائه وتغيير ثقافة القاطنين فيه.
ولا يمكن للنساء الشكوى بحسب النساء اللواتي ألتقيناهن، وتحدثن بأسماء مستعارة لأن ما تقمن به "إفشاء لأسرار بيوتهن" وهو جريمة مجتمعية عواقبها غير محمودة قد تصل للطلاق ويعتبر خروج المرأة للعمل حرام شرعاً لأنه يساهم في "خراب البيوت" ويجعل الزوجة تعصى أوامر الزوج وتتطلع لحياة الغرب لذلك عليها البقاء في منزلها واعتبار أسرتها هي مشروعها الواجب الاستثمار به.
نساء حاولن تغيير وضعهن الاقتصادي
قالت راوية علاء "بدأت مشروعي في بيع الخضروات وبعض أنواع الأطعمة، وزوجي كان المتحكم بدخل البيت، وما كنت أجنيه كان رهن تصرفه، ولم يقف الأمر عند ذلك فقط بل إنني تعرضت للإهانة والذل حتى لا يرفض عملي وبقيت هكذا لنحو 5 سنوات حتى قررت إغلاق محلي الصغير لأنني أنهكت صحياً".
وأضافت "كنت أدخر المال ورغبت في تطوير مشروعي لكن زوجي كان يأخذ مني المال قسراً، بل في كثير من الأحيان يحاسب هو التجار ويطالبني بتحمل كامل أعباء الأسرة من تنظيف المنزل ورعاية الأطفال وإحضار الطعام، ومع الوقت أصابني المرض ولم أعد أرغب في شيء سوى الراحة".
بينما زينب سالم حصلت على ميراثها من والدها ورغبت في إنشاء أحد المخابز لأنها ملمة بتلك الصنعة عن والدها ولكن زوجها أكد لها أن خروج المرأة للعمل حرام شرعاً، ويؤثر سلباً على الأسر وأن استثمارها الحقيقي في أطفالها، ورغم ذلك انتزع منها أموالها وأقام تجارته الخاصة التي ربح منها الكثير ولا تستطيع أن تخبره أن لها حق فيها.
وقالت "أخذ زوجي كل أموالي وربح من ورائها الكثير وينفق علينا القليل، ورفض أن استثمر ثروتي بينما انتزعها وهو يفعل بها ما يريد، وأنا حرمت من كل حقوقي حتى مجرد الاستفادة من عوائد أموالي فلا أستطيع أن أشتري شيئاً إلا عندما يريد".
لا تملك أغلب نساء الصعيد حق التصرف بالأموال
وبدورها قالت ناهد يوسف، أن واقع المرأة في الصعيد يختلف كثيراً عن غيره خاصة في مجال التمكين الاقتصادي فهي تناضل على أساس نوعها الاجتماعي.
وأضافت أن سوق العمل في الصعيد رجعي بحت ووضع النساء فيه صعب للغاية وأن المرأة لا تملك قرار حصولها على رأس مالها لأن وجودها في منزل والدها يجعل الأب هو المتحكم بأموالها، وفي حال زواجها ينتقل القرار لزوجها وكلاهما يرفض مغامرتها بخوض العراك الاقتصادي.
وعن قدرة المرأة في الحصول على قرض لبدء مشروعها أو تطويره، أوضحت أنه أمر مرفوض مجتمعياً وأسرياً فالكثيرون يرون أن النساء لا يجب أن يحصلن على مبالغ مالية والتعامل مع البنوك والالتزام بأقساط شهرية وغيرها من متطلبات الخروج للقطاع الاقتصادي وخوض غمار السوق ومعاملاته.
السجلات التجارية بقنا لا تعكس الواقع
وبينت ناهد يوسف، أن الواقع قد لا يعلم عنه الكثيرون "بالنظر في عدد السجلات التجارية بمحافظة قنا يتضح أن أغلبها مسجلة باسم النساء، والوضع على الأوراق يبدو مبشر لصالحهن، ولكن الواقع مخالف لذلك تماماً، يتم تسجيل الأوراق بأسماء النساء ولكن رجال الأسرة هم من يقومون بالعمل الفعلي على أرض الواقع".
وأكدت "أن المرأة تستخدم لإتمام إجراءات عمل الرجل على مشروعهم خاصة في السجل التجاري والبطاقة الضريبية" معتبرة أن أغلب أعمال النساء في السوق محدودة وصغيرة.
ولفتت إلى أن "الوضع في المركز الآن مختلف نسبياً فقد تأثرت الكثيرات بثقافة مدينة القاهرة وبدأن خوض غمار الحياة العامة والتجارية، ولكن النجوع والقرى مازالت على ما كانت عليها ولم تتغير كثيراً".
تمثيل نسائي في مجلس إدارة "الغرف التجارية"
وعن تجربتها الشخصية قالت ناهد يوسف، أنها بدأت مشروعها مبكراً منذ نحو 15 عام ولحسن حظها أن زوجها دعمها في ذلك وهو أمر نادراً "فكرة أن امرأة تنفذ مشروع خاص، حين بدأت عملي في محافظة قنا كانت صعبة وغير منتشرة ولكني تمكنت من ذلك".
وأضافت أنها واجهت عدد من العراقيل أثناء إنجاز الأوراق التي تتعلق بعملها ولكن حرص بعض المحافظين في قنا على التمثيل النسائي أتاح لها فرص كثيرة، وقد تمكنت من الوصول لعضوية مجلس الإدارة في اتحاد الغرف التجارية عن محافظة قنا لنحو 12 عام.
واختتمت حديثها بالقول "حفرت في الصخر وعانيت طوال رحلتي في سوق العمل وواجهت مختلف التحديات حتى تمكنت من النجاح وأنشأت مصنع حرصت أن يكون العاملين فيه جميعهم من النساء، ولكون مديرته امرأة لم يتردد الأهالي في القبول بخروجهن، لذلك أرى أني تمكنت من التأثير فيمن حولي وإتاحة مساحة أمان لمن عملوا معي بمصنعي".