التعاونيات النسوية… مشاكل في التسويق وصعوبة في ابتكار أساليب جديدة

تعاني التعاونيات النسوية في مجال الصناعة التقليدية من مشاكل عديدة، منها ما هو مرتبط بالابتكار والإبداع، ومنها ما يتعلق بالتسويق.

رجاء خيرات

مراكش ـ تعد الصانعة التقليدية هي سفيرة الثقافة بامتياز، إلا أنها لازالت تعاني من مشاكل عديدة، حيث تعرضت عبر سنوات لاستغلال التجار وأصحاب "البازارات" الذين يقتنون منها المنتوجات بثمن ضئيل ويقومون ببيعه بثمن مناسب.

للحد من المشاكل التي تعترض الصانعة التقليدية تم إنشاء مركز الصانعة التقليدية بالمدينة العتيقة بمنطقة سيدي عبد العزيز بمراكش، والذي وفر فضاء مفتوح للسياح، كما مكن العديد من الفتيات المنقطعات عن الدراسة من التدريب والعمل في ثلاث ورشات حرفية: مجال النسيج والصناعات الجلدية والصناعات النباتية.

وأكدت رئيسة اتحاد مبدعات الصناعة التقليدية ورئيسة تعاونية "الغرزة" عتيقة المبارك أن مركز الصانعة التقليدية وفر فرصة مهمة للصانعات لترويج منتوجاتهن والتعريف بها وكذلك منح الفتيات المنقطعات عن الدراسة مجالات للتدريب واكتساب مهرات وخبرات في مجالات مهمة من الصناعة التقليدية.

وحول مشاكل التسويق أوضحت أن "التسويق الرقمي الذي أصبحت تنهجه العديد من التعاونيات النسوية كوسيلة لترويج منتوجاتها لم يعط النتائج المنتظرة، حيث أنه يحتاج لوسطاء يتكلفون بالمنصات الرقمية التي تعرض المنتوجات ويتواصلون مع الزبائن الراغبين في اقتنائها، وهو ما يثقل كاهل الصانعة التقليدية بمصاريف ليس بمقدورها تغطيتها مع هامش الربح الضئيل الذي تحققه من بيع المنتوجات.

وعن اتحاد مبدعات الصانعة التقليدية قالت إنه يضم ثلاث تعاونيات هي "سيدات مراكش وتعاونية الغرزة وتعاونية المصنوعات الجلدية، وهي التي تشكل النواة الأساسية لمركز الصناعة التقليدية التي يوفر تدريباً مستمراً للفتيات المنقطعات عن الدراسة في بعض الحرف والصناعات التقليدية التي أصبحت في طريقها للاندثار، وذلك من أجل إحيائها مثل صناعة السفيفة والمحكة والطاقية المراكشية التقليدية".

وحول عمل التعاونية ومساهمتها في إخراج العديد من النساء من عزلتهن قالت "منذ تأسيس هذه التعاونية ارتأينا أن نرتكز على ثلاث مبادئ أساسية، وهي الرحمة كتعبير عن الشكر لكل من تعلمت أصول الحرفة، ثم تخلص المتعلمة من حالات الملل والاكتئاب بفضل ممارسة الخياطة والتطريز، حيث أن هذا المجال أشبه بعلاج نفسي للعديد من النساء اللواتي غادرن المركز وهن سعيدات بما حققنه وتعلمنه، ثم إنه وفر لعدد منهن عائدات مالية وجعلهن تفكرن في خلق مشاريعهن المستقلة والمدرة للدخل".

وبينت أنه على الرغم من وجود الكثير من المعوقات التي تعترض النساء الصانعات، إلا أنهن استطعن أن تبرزن طاقاتهن الابتكارية عبر خلق شبكات الصانعات من أجل التكتل والمشاركة في التكوينات المستمرة لتحسين جودة المنتوج وتطويره وتسويقه.

 

 

من جهتها أشارت مسيرة تعاونية "سيدات مراكش" ورئيسة شبكة النساء الحرفيات سعيدة الشهبوني إلى أن الشبكة تتكون من عدد من التعاونيات والجمعيات النسوية وصانعات فرادى، وكان الهدف من إنشاء هذه الشبكة هو تكثيف المجهودات بين كافة النساء المنخرطات في التعاونيات من أجل تعزيز المنتوجات في مجال الخياطة والتطريز وكذا تسهيل الحصول على المواد الأولية، والتسويق.

وأضافت أن المشاركة في معارض وطنية ودولية منح الشبكة إشعاعاً وصدى كبير، لا سيما أنها تتيح للصانعة الحرفية إمكانية الالتقاء بشخصيات جديدة وبناء علاقات معهم.

وعن المشاكل التي تواجه الصانعات داخل التعاونيات أوضحت أنه على الرغم من كون الصانعة الحرفية هي سفيرة الصناعة التقليدية والوجه الثقافي للمغرب، إلا أنها لا تزال تعاني من مشاكل عديدة تتلخص في ضرورة الابتكار والإبداع في المنتوجات التقليدية حتى تتوافق ومتطلبات السوق العصرية التي تتغير مقاييسها باستمرار، مما يجعل الصانعة التقليدية في بحث واجتهاد لابتكار أفكار جديدة، وكذلك مشاكل في التسويق، حيث يصعب أحيان كثيرة إيصال المنتوج إلى الزبون.

وأشارت إلى أن مركز الصانعة التقليدية الذي يضم ثلاث تعاونيات في النسيج والمصنوعات الجلدية والمنسوجات النباتية، بالإضافة إلى كونه أتاح توفير تدريب مستمر لأجيال من الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة، فقد مكن كذلك الصانعات التقليديات المنخرطات في التعاونيات من عرض منتوجاتهن وتسويقها، خاصة وأنه يقع في منطقة تعج بالسياح بالمدينة العتيقة وهي منطقة سيدي عبد العزيز.

ولفتت إلى أن الصانعات داخل التعاونيات واجهتهن عدة معوقات خاصة بعد جائحة كورونا والزلزال الذي ضرب إقليم الحوز والنواحي في الثامن من أيلول/سبتمبر الماضي، إلا أن التعاون والتكتل داخل هذه الشبكات النسوية جعل الصانعات أقوى وبمقدورهن التغلب على هذه المشاكل.

وعن الصانعة التقليدية، أكدت أنها هي سفيرة المغرب ووجهه الثقافي، لأنها تشارك في معارض دولية وتعرف بالمنتوجات التقليدية التي تزخر بها البلد، لافتة إلى أن السائح الذي يأتي لزيارة المغرب، إنما يرغب في التعرف إلى ثقافة البلد وما يميزها من صناعات وحرف تقليدية، وليس لاستهلاك منتوجات تركها وراءه في بلده الأصلي.

وعن المستفيدات قالت إنهن يتبعن تدريباً لمدة عام، ثم تحصلن على شهادة التعلم التي تتيح لهن فتح مشاريعهن الخاصة أو تعاونيات، مع مواكبة مستمرة من المركز.

وطالبت بتدخل الجهات المسؤولة عن قطاع الصناعة التقليدية لتخفيف العبء على المرأة الصانعة والحرفية من خلال تسهيل ولوجها للأسواق الدولية وترويج منتوجها. 

 

 

وبدورها قالت مسيرة تعاونية الجلد رقية ابشين إن مركز الصانعة التقليدية بسيدي عبد العزيز فتح باباً أمام المنخرطات في التعاونية، حيث مكنهن من توسيع منتوجاتهن.

وعن الإقبال على الصناعات الجلدية، أكدت أن الفتيات لا ترغبن كثيراً في تعلم الصناعات الجلدية لأنهن تجدنها صعبة، حيث يفضلن التوجه نحو قطاع النسيج والتطريز، وهو ما يجعل اليد العاملة في المصنوعات الجلدية قليلة نسبياً في صفوف المتعلمات.

 

 

من جهتها أوضحت رئيسة تعاونية "الزهراء" للمصنوعات النباتية زهراء سحيم أنه "منذ ولوج مركز الصانعة التقليدية أصبحنا نروج منتوجاتنا بشكل أسرع وأسهل، حيث أتاح لنا هذا الفضاء، إلى جانب تعاونية النسيج والمصنوعات الجلدية إمكانية التقاء زبائن من داخل المغرب وخارجه".

وعن مشاكل القطاع، أكدت أن الفتيات لا تبدين رغبة كبيرة في تعلم الصناعات النباتية التي تعتمد في مادتها الأولية على بعض النباتات الصحراوية كـ "الدوم والسمار والمافيا والخيط" وهي مواد تجد الفتيات صعوبة في تطويعها والعمل عليها، مما يدفعهن للتوجه نحو النسيج والتطريز أكثر.

 

 

وحول التدريب قالت إحدى المستفيدات ليلى السعادي إنها رغم كونها حاصلة على الإجازة في شعبة الكيمياء والفيزياء، إلا أنها تحب مجال الصناعة التقليدية والخياطة، وهو ما دفعها للالتحاق بتعاونية "الغرزة" منذ خمس سنوات لتعلم أصول الخياطة.

وأوضحت أنها سبق وأن استفادت من تدريب بـ "كوليج لاصال" بمراكش في مجال تصميم الأزياء، لكنها ارتأت صقل موهبتها وتعلم أصول الخياطة التقليدية لمزجها مع ما تعلمته من فنون التصميم، حتى تستطيع ابتكار التصاميم التي ترغب فيها وتمزج بين ما هو عصري وما هو تقليدي، أي أزياء تقليدية بلمسة عصرية.

 

 

وبدورها قالت المستفيدة أميمة إكي إنها جاءت للمركز لتعلم الخياطة والتطريز لحبها لهذا المجال الذي أحبته منذ صغرها، خاصة وأن والدتها كانت تمتهن الخياطة.

وأشارت إلى أن "الصنعة إذا لم تغنيك فهي تطيل عمرك"، لافتة إلى أنها تعلمت الصبر والمثابرة من خلال هذا المجال الذي فتح أمامها آفاقاً وجعلها تفكر دوماً في ابتكار أشكال جديدة، وفي تحقيق مشاريعها الخاصة التي تعزز أنماطها في سوق الصناعة التقليدية.