الأزمة الاقتصادية تسلب اللبنانيات أحلامهن

تتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان يوماً بعد يوم، ما أدى بالأهالي إلى الاستغناء عن أبسط الاحتياجات اليومية وحتى المواد الغذائية لارتفاع سعرها بشكل كبير، فباتت الأساسيات من الكماليات لأغلب العائلات اللبنانية.

كارولين بزي

بيروت ـ في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها لبنان، تحرم العائلات من أدنى مقومات الحياة، وباتت معظم أحلامهم معلقة، حتى أن العديد من الفتيات لم تكملن تعليمهن الذي يعد من أبرز الحقوق الأساسية وحدَّ من طموحاتهن.

 

"نخاف المرض والمستشفيات"

هنادي زبيب البالغة من العمر 26 عاماً ككثير من الفتيات الأخريات، حرمها الوضع الاقتصادي المتردي من حياة الهدوء التي كانت تعيشها، لم تفكر يوماً بأن جلّ اهتمامها في الحياة سيكون تأمين لقمة العيش وسداد فواتير الكهرباء "كنت أعيش حياتي بطريقة بسيطة، أما اليوم فعندما أستيقظ أفكر بانقطاع التيار الكهربائي الدائم، كيفية تأمين اشتراك المولد الكهربائي الخاص، شراء المياه في ظل انقطاعها المتكرر بغياب الكهرباء، إذ زاد انقطاع المياه من المصاريف علينا لأننا نشتري المياه".

حتى الإصابة بالمرض بات يقلق اللبنانيات لصعوبة تأمين الأدوية التي باتت أسعارها تتضاعف بين ليلة وضحاها، وتقول هنادي زبيب "إذا شعرنا بالمرض أصبحنا نتردد في الذهاب إلى الصيدلية خوفاً من الأسعار المرتفعة، فأحياناً الدخل الشهري لا يكفي لشراء علبة من الدواء"، مشيرةً إلى أن إحدى أفراد عائلتها يعاني من مرض ما، وتخاف من أن تتعرض لإصابة "لأن الدخول إلى المستشفيات صعب جداً بسبب التكاليف العالية، إذ يموت الكثير من اللبنانيين على أبواب المستشفيات".

لم يعد لدى هنادي زبيب أمل بتحقيق أحلامها كأي فتاة عادية فما تجنيه من عملها تساعد به عائلتها "أنا كأي فتاة كنت أسعى لتحقيق أحلامي من خلال جمع بعض المال، ولكن اليوم أعمل لأساعد عائلتي، لم يعد باستطاعتي أن أدّخر مالاً لأشتري ما أريده"، لافتةً إلى أن دخلهم الشهري بالكاد يكفي لدفع فواتير الكهرباء والمياه والوقود للتدفئة في الشتاء.

لا تنكر هنادي زبيب بأن نوعية الأطباق تغيرت وتم الاستغناء عن بعض المنتجات، لافتةً إلى أن أبسط الأطباق حتى تلك التي كان يطلق عليها أطباق الفقراء أصبحت تكلفتها عالية.

 

 

"تخليت عن عملي الخاص"

ومن جانبها قالت ليال حسين أنها كانت تعمل في منزلها برسم الحنة، ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الأولية التي كانت تستخدمها في عملها، قررت الالتحاق بأحد صالونات التجميل في المنطقة التي تعيش فيها.

وأوضحت "عندما انضممت للعمل في الصالون، لم تكن أجرة الطريق مرتفعة لأن أسعار المحروقات لم تكن قد وصلت بعد إلى نحو 800 ألف ليرة لتنكة البنزين، كنت أدفع ما بين 5 و10 آلاف ليرة ولكن الآن ومع ارتفاع أسعار المحروقات أصبحت أدفع يومياً نحو 80 ألفاً".

في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد، حُرم اللبنانيون من الكهرباء على مدى أشهر ولا زالت حتى يومنا، فالتيار الكهرباء يتم توصلها على بيوتهم لنحو ساعة أو ساعتين في الـ24 ساعة وأحياناً يغيب نهائياً.

ومع انقطاع التيار الكهربائي واجهت ليال حسين صعوبات ربما تعتبر بسيطة لعالم وصل إلى الفضاء، ولكن لصعوبة الحياة في لبنان حُرمت من المياه الساخنة للاستحمام بسبب غياب التيار الكهربائي "اضطررنا لتركيب ألواح الطاقة الشمسية لكي نحصل على المياه الساخنة ولاسيما في أيام الشتاء، نقوم بتقسيط سعر ألواح الطاقة شهرياً، وذلك بعد أن وصلت اشتراكات المولد الكهربائي لنحو 3 إلى 4 ملايين ليرة لبنانية، هذه التكاليف إلى جانب شراء المياه للغسيل والاستحمام".

وكأي فتاة كانت ترغب ليال حسين بأن تسافر ولكن هذا الحلم أصبح صعب المنال، فهي تعتبر بأنها ربما تستطيع أن تدّخر مبلغاً صغيراً من راتبها ولكن ذلك على حساب حرمان نفسها من بعض الأساسيات.

وأشارت إلى أن الأزمة الاقتصادية قطعت العلاقات العائلية أو ربما أضعفتها، فلم يعد للدعوات العائلية مكاناً بسبب التكاليف التي أرهقت كاهل اللبنانيين، ولا تنكر بأن نوعية الأطباق على مائدة عائلتها اختلفت، وأصبحت العائلة تختصر الكثير من المواد الغذائية، حتى أن الدعوات العائلية تراجعت كثيراً، بسبب الأزمة التي أثرت على الجميع.

 

 

"عدنا إلى زمن الشمعة"

مع بدء الأزمة الاقتصادية منذ ثلاث سنوات، لم تتوقع زهراء حسين بأن الحياة في لبنان ستتبدل وتنهار بالشكل الذي وصل إليه، وقالت "كنا نعيش بنعيم ولم نتوقع أن يكون هذا حالنا اليوم".

كأغلب اللبنانيين حُرمت زهراء حسين وعائلتها من التيار الكهربائي، ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك كما أوضحت "بعد أن ارتفعت أسعار المازوت التي انعكست على فاتورة اشتراك المولد الكهربائي قمنا بإيقاف الاشتراك بعد أن وصلت الفاتورة إلى 3 و4 ملايين، وعدنا لأيام استخدام الشمعة وهي الوسيلة الوحيدة للإضاءة اليوم، تحمّلنا ونتحمل الكثير".

وأضافت "كنت أذهب إلى عملي بسيارة الأجرة وأدفع ألف ليرة وأعود إلى المنزل بألف أخرى، أما اليوم أصبحت أجرة التاكسي لكل يوم تتجاوز الـ80 ألف ليرة".

وقارنت بين القدرة الشرائية منذ ثلاث سنوات وبين اليوم "كنا نذهب إلى السوبر ماركت لشراء المواد الغذائية فكنا نشتري كل ما نريد وندفع نحو مئتي ألف ليرة، أما اليوم فأصبح مبلغ الخمسة ملايين لا يكفي".

 

 

"علّقت أحلامي ودراساتي العليا"

وأكدت زينب الموسوي التي تعمل كمساعدة صيدلي، بأن الأزمة الاقتصادية انعكست على كافة فئات المجتمع، "الدخل الشهري لم يعد يكفي، حتى لو كان الموظف يتقاضى راتبه بالدولار لا بالليرة اللبنانية، لأن الأسعار ارتفعت بشكل كارثي".

وأشارت إلى أنه "ألغينا الرفاهية التي كنا نعيشها في السابق أو قمنا بالحد منها، وحتى مهما كان راتب الفرد أصبحت المصاريف تتجاوز المدخول بنسبة مرتين إلى ثلاث مرات".

أنهت زينب الموسوي دراستها الجامعية وكانت تطمح لأن تكمل دراساتها العليا، لكن الأزمة الاقتصادية عرقلت طريقها "كنت أرغب باستكمال دراساتي العليا، لكن اليوم أخذت استراحة بسبب الأزمة، لأراقب الوضع وأرى إن كان هناك أمل في تحسن الأوضاع. فالأقساط الجامعية زادت بنسبة كبيرة، وأعتقد أن كل فرد كان لديه حلم قام بتعليقه اليوم".

الأقساط الجامعية المرتفعة ليست وحدها العائق، بل أيضاً أسعار المحروقات المرتفعة أثرت حتى على طلاب الجامعات فلم يعد باستطاعة الطلاب دفع أجرة الطريق كما أوضحت زينب الموسوي "حتى الموظف أصبح يدفع ثلاثة أرباع دخله الشهري أجرة طريق للوصول إلى العمل، فالوضع أصبح كارثياً، مهما كان الدخل الشهري للفرد فلم يعد يكفيه فهو يدفعه بين كهرباء والمولد الخاص ومصاريف البنزين".

بما أن زينب الموسوي تعمل في صيدلية، لفتت إلى كيفية تغير أسعار الأدوية وقالت "ارتفعت أسعار الأدوية بشكل كبير، وفي كل مرة يدخل المريض إلى الصيدلية لشراء الدواء يصطدم بالسعر، فالأسعار غير مستقرة، ففي كل مرة ترتفع الأسعار أكثر وأكثر، والدواء هو حاجة أساسية لا يمكن للفرد أن يستغني عنها".

عن سبب فقدان الأدوية ولاسيما الخاصة بالأمراض المستعصية، أكدت على أن "هناك الكثير من الأدوية غير متوفرة، نحاول أن نؤمنها ولكن للأسف هناك تجار وشركات تحاول أن تقلص من توزيع هذه الأدوية بهدف رفع سعرها ثم توزيعها لاحقاً".

 

 

"ارتفاع أسعار المحروقات أرهقنا"

ومن جانبها قالت عبير يحيى التي تعمل منظمة حفلات "تأثرنا كثيراً بغلاء المحروقات وغياب التيار الكهربائي وارتفاع فاتورة المولد الكهربائي".

وأضافت "تغيرت حياتنا كثيراً، مثلاً في السابق كانت فاتورة الاشتراك الكهربائي زهيدة مقارنة بالآن حتى كنا نقوم باستخدام كهرباء المولد لكل أعمال المنزل، بينما الآن لا يمكننا سوى إضاءة الغرف التي نتواجد فيها".  

وأشارت إلى إن أسعار المحروقات أثرت على عملها من ناحية التكلفة اليومية، وبما أن لديها سيارة تستهلك الوقود، أصبحت تنفق الكثير مما تحصل عليه من عملها على أجرة الطريق.