حقوق المرأة بين القوانين والسياسات... أي مستقبل ينتظر العراقيات؟

في ظل هيمنة النظام الأبوي، تواجه النساء في العراق تحديات قانونية واجتماعية واقتصادية تعرقل تحقيق المساواة والعدالة، ورغم العقبات تواصل الحركات النسوية نضالها لإحداث تغييرات جوهرية، مدعومةً بتنظيمات نسائية ونشطاء يسعون لرسم مستقبل أكثر إنصافاً للمرأة.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ أكدت الناشطة النسوية العراقية نادية محمود على أن القوانين المجحفة، والسياسات التمييزية، والبيئة الاجتماعية والدينية المحافظة، جميعها تعزز واقعاً يحرم النساء من حقوقهن الأولية، الأمر الذي يتطلب تحركاً جماعياً لإحداث تغيير حقيقي، يعتمد على التنسيق، التشبيك، والتحالف بين مختلف القوى المدافعة عن حقوق المرأة.

لطالما كانت حقوق المرأة حجر الأساس في بناء مجتمعات عادلة ومتوازنة، إلا أن النساء في العراق لا يزلن يواجهن عراقيل متعددة، سواء على الصعيد القانوني أو الاجتماعي، وبينما تزداد الهجمات على المكتسبات القانونية التي تحققت على مدى العقود الماضية، تواصل الناشطات النسويات جهودهن لمواجهة هذه التحديات، والعمل على تعزيز حضور المرأة في مراكز صنع القرار.

ولاستعراض أبرز الأزمات والتحديات التي تواجهها النساء، وكيف بالإمكان تعزيز الوعي لديهن وتمكينهن للنهوض بمجتمعاتهن، وأهمية تضافر الجهود لإحداث تغيير حقيقي، يضمن العدالة والمساواة، كان لوكالتنا مع الكاتبة والناشطة النسوية العراقية نادية محمود، وهي عضو مؤسس لتحالف أمان النسوي؛ الحوار التالي:

 

تواجه النساء في الشرق الأوسط وأفريقيا تحديات معقدة خاصة وأن معظم دول المنطقة تشهد حروب ونزاعات... كيف تؤثر تلك الأزمات والنزاعات على دورهن في المجتمعات؟

العوامل الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والحقوقية لها تأثير ليس فقط على دور النساء بل تؤثر عليهن كأفراد، فالمرأة غالباً لا تحظى بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، من المعلوم أننا نعيش في مجتمعات رأسمالية، تواجه النساء تحديات اقتصادية جسيمة، حيث يعانين من الفقر وأزمات مالية متزايدة، إذا نظرنا إلى معدلات مشاركة النساء في سوق العمل في دول المنطقة، نجد أنها لا تتجاوز 15 إلى 20 بالمئة، بينما في العراق، تنخفض هذه النسبة إلى حوالي 12 بالمئة من إجمالي القوى العاملة، ويؤدي نقص فرص العمل إلى تفاقم أوضاع الفقر بين النساء، مما يجعلهن عرضة لمشكلات أخرى، مثل العنف الأسري، إذ إن المرأة التي تعاني من الفقر غالباً ما تكون غير قادرة على تحقيق الاستقلال المالي، مما يجبرها على البقاء في بيئات تتسم بالتعنيف، بسبب محدودية إمكانياتها الاقتصادية.

إلى جانب العوامل الاقتصادية والاجتماعية، فإن النظام القانوني في المنطقة، الذي يستند في كثير من جوانبه إلى الشريعة الإسلامية، يلعب دوراً كبيراً في واقع المرأة، من بين هذه القوانين، تبرز قوانين الأحوال الشخصية التي غالباً ما تتضمن تمييزاً واضحاً ضد المرأة.

في العراق، شهدت القوانين الأخيرة جدلاً واسعاً وأثارت غضباً كبيراً بين النساء، إذ أدت إلى تقليص بعض الحقوق التي كانت متاحة لهن قبل ستة عقود، هذا التراجع القانوني لا يعكس فقط انتكاسة في مسيرة حقوق المرأة، بل يكرّس واقعاً يحرم النساء من أبسط حقوقهن الأولية والأساسية، مما يعزز الفجوة القانونية بين الجنسين.

وقد ساهم استفحال الأعراف الاجتماعية والدينية والمذهبية، إلى جانب العشائرية، بشكل كبير في تعزيز التمييز الجنسي ضد النساء، وأن يأخذ أشكال جداً عنيفة، ومتمايزة متحيزة مع الرجل ضد المرأة. هذه الأوضاع، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية أو حقوقية، تؤثر بشكل مباشر على النساء، وتحد من حرياتهن القانونية والاجتماعية والاقتصادية والفردية والمدنية، هذا الواقع يعزز من هيمنة النظام الذكوري الأبوي في المجتمع، مما ينعكس سلباً على أدوار النساء ومكانتهن، ويكرس التفاوت بين الجنسين.

 

برأيك هل يعود سبب حرمان النساء من حقوقهن إلى نقص التمثيل في مراكز صنع القرار التي تقف عائقاً أمامهن للعب دورهن وتحقيق المساواة؟

بالطبع لا؛ فهنالك نظام ذكوري رأسمالي يحكم العلاقات بين البشر، ووصول النساء إلى تلك المراكز لا يعني انتهاء هذا النظام التمييزي ضد المرأة، لأنه حتى في البرلمانات وجود عدد قليل من النساء في أفضل الأحوال هن مدافعات عن حقوق المرأة، أي أن نسبة تواجدهن مقارنة مع ممثلي الأحزاب الذكورية الأبوية، لا يمكن لهن تحقيق الغلبة في صنع القرارات ونزع أصوات أكثر من الرجال في ظل السياسات المتبعة في البرلمانات.

على سبيل المثال، في العراق، تخصص للمرأة كوتا بنسبة 25%، إلا أن الأحزاب الإسلامية غالباً ما تختار نساء يعبرن عن رؤى هذه الأحزاب بدلاً من تمثيل مطالب النساء، في الواقع، تعكس هؤلاء النساء الفكر الذكوري والأبوي لتلك الأحزاب أكثر مما يعبرن عن احتياجاتهن.

وبالتالي، فإن هذه النسبة المحدودة من التمثيل لا تكفي لتغيير أوضاع النساء، حيث يظل نظام شامل ومهيمن يدعم العقلية الذكورية، سواء في الاقتصاد أو القوانين، كما أن العشائر والطوائف، وحتى الهيئات التعليمية والإعلامية، تعمل بشكل متكامل لترسيخ الوضع الدوني للمرأة.

 

كناشطة نسوية برأيك ما الذي تحتاجه هذه السياسات المتبعة في البرلمانات ليتم تغييرها، وهل جهود التنظيمات النسوية كافية لتغيير هذا الواقع؟

كل تغير يحتاج إلى ضغط من الأسفل أي من الجماهير والدخول في صراع مع هذا النظام الأبوي الذكوري، وهذا الصراع جزء منه تلعبه منظمات والحركات النسوية، إلى جانب الأحزاب، والنقابات العمالية، وحركات المجتمع المدني، التي تتضافر جهودها من أجل إحداث تغيير شامل لهذا النظام، فبدون تحرك جماعي موحد ومنظم يعتمد على التنسيق، التشبيك، والتحالف بين مختلف القوى المدافعة عن حقوق المرأة، سيظل انتزاع هذه الحقوق أمراً بالغ الصعوبة.

لذلك، من الضروري أن تعمل المنظمات على توحيد صفوفها، إلى جانب توحيد الناشطات، وتعزيز قوة الحركة النسوية، فبدون استراتيجية واضحة وبرنامج فعال، وبدون القدرة على مواجهة السياسات المبنية على التمييز الجنسي، يصبح التغيير مستحيلاً، إن القوى الرجعية في المجتمع لا تتراجع بسهولة عن ذهنيتها، مما يجعل التنظيم والتكاتف أمراً بالغ الأهمية في هذه المواجهة.

 

بما أنكِ عضو مؤسس في تحالف أمان النسوي الذي يضُّم نساء مدافعات من كافة أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا... هل هناك مشاريع قانونية قيد الدراسة في الوقت الراهن قد تؤثر على حقوق النساء في الشرق الأوسط، وكيف يمكن للتحالف دعمها؟

لدى التحالف عدد قليل من الناشطات في البلدان الناطقة بالعربية، لأننا نركز في تحالفنا على العراق بشكلٍ أساسي، إلا أننا لا نرفض أي طلب عضوية من ناشطات في بلدان الشرق الأوسط.

نحن معرضات لهجمة شرسة لمجرد أننا نتحدث باسم النسوية، وقد تعرضنا لذلك مسبقاً بهدف تشويه مفهوم النسوية، لذلك تتجنب الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة محاولة استخدام مصطلح النسوية.

ومن جانب آخر تعمل المنظمات والحركات النسوية بشكل دؤوب للدفاع عن قضايا المرأة، إلا أنها لم ترتقي للعمل الموحد بعد، فما زالت نشاطاتهم متفرقة، فضلاً عن مسايرتهن للأنظمة القائمة والتصالح معها خشية من تعرضهن للتهديد والضغوطات وما إلى ذلك في حال معارضتهن لأمرٍ ما، لأننا لسنا في بلد ديمقراطي كما يدعي الدستور باحترام هذه القيم.

لذا قبل أن نؤثر على نظام الدولة كنسويات نحتاج إلى أن نلم صفوفنا أولاً، نحن في مرحلة علينا الخروج من حالة العمل الفردي والتشتت والدخول إلى عمل موحد لأن قضية النساء واحدة وتحتاج إلى تضافر وتشابك الجهود لتحقيق النجاح لأن العمل الفردي لا يقود إلى أي نتيجة، وهذا ما يجعل التكاتف أمراً ضرورياً بالنسبة لقضية المرأة.

 

كيف يمكن بناء جسر من التواصل بين الأجيال المختلفة لدعم القضايا النسوية بشكلٍ أفضل؟

لا توجد صعوبة في بناء الجسور بين الأجيال، طالما أن هناك رؤية مشتركة تجمع العاملات والناشطات في المجال النسوي، تستند إلى بناء حركة نسوية قوية في العراق، تحقيق الأهداف الأخرى يصبح ممكناً حين تتوفر هذه الرؤية المشتركة، وبحكم التجربة التي يمتلكها الجيل السابق، ينبغي أن يكون قادراً على احتضان مبادرات النسويات الشابات، وإفساح المجال لهن للإبداع في العمل النسوي ومواصلة المسيرة التي بدأها الجيل السابق، التواصل بين الأجيال لا يشكل تحدياً كبيراً طالما هناك انفتاح على تبادل التجارب، والاستماع المتبادل، والتفاعل الإيجابي.

 

كما ذكرت فإن القوانين الحالية في العراق تنتهك حقوق المرأة وتميز ضدها... برأيك ما هي الإصلاحات القانونية المطلوبة لضمان كرامة المرأة العراقية؟

هناك حاجة ملحة لإصلاحات قانونية عديدة، بدءاً بتعديل بعض مواد قانون العقوبات، وإلغاء القوانين التي تشرع تأديب المرأة أو تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج الضحية، يجب أن يُلغى هذا الاستثناء تماماً، ويحاسب المغتصب وفق القانون، كذلك ينبغي معاقبة المختطف إذا تزوج المخطوفة، بدلاً من مكافأته بتزويجها تحت ذرائع اجتماعية، إلى جانب تعديل المواد التمييزية في القانون المدني.

أما فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وهو الأكثر تماساً مع حقوق المرأة، فقد شهدنا مؤخراً تراجعاً خطيراً، حيث صودرت مكتسبات النساء التي تحققت على مدى 60 عاماً، مما يمثل انتكاسة حقيقية. لهذا، ينبغي إعادة صياغة قانون الأحوال الشخصية على أساس المساواة بين الجنسين في جميع الحقوق الزوجية، بما يشمل الزواج، الطلاق، الإرث، الحق في المنزل، وحضانة الأطفال. كما يجب إلغاء أي قوانين تشرع تعدد الزوجات، وتكريس الزواج الأحادي، كذلك، ينبغي تصنيف زواج القاصرات كجريمة وإلغاؤه نهائياً، إلى جانب منع الزواج خارج المحاكم، لما يترتب عليه من أضرار جسيمة، حيث تظل النساء والأطفال هم الضحايا الرئيسيون لهذه الممارسات.

على مدى أكثر من 13 عاماً، تسعى المنظمات النسائية إلى تجريم العنف ضد النساء تحت مظلة قانون للعنف الأسري، إلا أن هذه الجهود لم تثمر بعد عن تشريعٍ واضحٍ يجرم مثل هذه الانتهاكات، في الوقت نفسه، تعتمد السياسات الحكومية على أدوات مثل الشرطة المجتمعية، التي أُنشئت لحل النزاعات الأسرية، لكنها تفتقر إلى قانون ينظم عملها، مما يترك المعنّفات عرضة للعودة إلى بيئة العنف، للأسف، العديد من النساء اللواتي لجأن إلى هذه الشرطة انتهى بهن الأمر مقتولات، ما يبرز الحاجة الملحة إلى تنفيذ قوانين حقيقية لحماية النساء، بما في ذلك إنشاء ملاجئ آمنة توفر لهن الحماية عند تعرضهن للعنف.

بالإضافة إلى ذلك، يعد تمكين النساء اقتصادياً خطوةً ضرورية لتوفير مصدر دخل مستقل، خاصةً في العراق، حيث يُنظر إلى العمل الرعائي على أنه واجب وليس وظيفة تستحق التقدير المادي، يجب أن يكون هذا العمل مثمناً، كما ينبغي أن تتوفر للنساء اللواتي يتعرضن للعنف سبل الدعم من الحكومة لضمان حقوقهن وحمايتهن.