النظام الإيراني وعقوباته المجحفة بحق النساء

تعرف إيران في العالم أجمع بوسائل التعذيب التي تمارسها في السجون والمعتقلات. عقوبة الإعدام أيضاً من ضمن القوانين المعروفة في البلاد التي تحتل المرتبة الثانية من حيث إصدار الأحكام القضائية بقتل مواطنيها وسلبها حياتهم وفي مقدمتهم النساء.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ أكد حقوقيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان والمرأة، على أن قوانين إيران مناهضة للنساء، فهي تمارس ضدهن كافة أساليب التعذيب من جلد وتعذيب نفسي وجسدي، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات إعدام على قدم وساق بحجج واهية.

 

اعتقال الناشطات في مجال حقوق المرأة ومعاقبتهن

يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان في إيران إلى التهديدات بالقتل، مضايقة قضائية، اعتقال تعسفي، تشويه السمعة، هجمات عنيفة، إساءة معاملة، تعذيب وقتل. وتتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان خاصة المرأة الإيرانية بالتحديد للخطر في البلاد.

حرية التعبير، الاجتماع والتجمع خاضعة للتقييد الشديد، وكثيراً ما يتم ربطها بخروقات تتعلق بأمن الدولة، فالأمن يسبب مشكلة للمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران.

تستهدف السلطات النساء اللواتي ينظمن حملات من أجل الحقوق المتساوية، وتتعرضن للتوقيف التعسفي والتعذيب. فالنساء أكثر من يعاني ضمن البلاد من أحكام الإعدام والعقوبات ويصبحن ضحايا جرائم عدة.

في تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2018، ذكر أن إيران زادت من قمع النشطاء والصحافيين ومدافعي حقوق الإنسان منذ الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 2017 "العشرات من المدافعات عن حقوق المرأة يتعرضن للاضطهاد بسبب نشاطهن المشروع".

وبحسب التقرير احتجزت هدى عميد ونجمة أحمدي ورضوانة محمدي تعسفياً في أماكن معروفة منذ أيلول/سبتمبر 2018، نتيجة لمشاركتهن في ورشات عمل بشأن حقوق المرأة.

كما احتجزت كلاً من أتينا دائمي وكولروخ إيريايي بسبب نشاطهما من أجل حقوق المرأة، ومعارضة عمالة الأطفال ومعارضة عقوبة الإعدام. ومنع عنهن الاتصال مع العالم الخارجي.

تم اعتقال هناء عبدي البالغة من العمر 21 عاماً، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة الكردية في مدينة سنه في شرق كردستان، في الرابع من تشرين الثاني/يناير عام 2007 من قبل الاستخبارات الإيرانية وتم احتجازها في مبنى الاستخبارات.

بقيت هناء عبدي هناك لمدة ثلاثة أشهر، فيما بعد تم نقلها إلى السجن المركزي في أذربيجان، حكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات، اتهمت هناء بمشاركتها في "الحملة من أجل المساواة" الهادفة لوضع حد للتمييز القانوني ضد المرأة.

بينت إحدى المنشورات التي تم نشرها من قبل منظمة حقوق الإنسان في شرق كردستان بأن عمليات الإعدام بحق النشطاء والسياسيين الكرد ما زالت مستمرة. لفت هذا المنشور الأنظار إلى أوضاع 59 معتقلاً ينتظرون موعد إعدامهم.

 

التعذيب النفسي والجسدي

تحرم السجون الإيرانية النسائية والتي تعرف بالأسوأ على مستوى العالم من الاحتياجات الأساسية، كالتحرك والمشي في فناء السجن والشمس ومياه الشرب والاستحمام، والحد الأدنى من العناية الطبية، ناهيك عن تعرضهم لالتهابات وأمراض الكبد والكلى وغيره من الأمراض نظراً للازدحام الشديد، وعدم الفصل بين المرضى والأصحاء، مما يؤدي إلى انتقال عدوى الأمراض بسهولة وانتشار أمراض الإيدز والطاعون والسرطان وآخرها فيروس كورونا.

تستخدم السلطات العديد من وسائل التعذيب جسدياً ونفسياً، رغم أن سمعة سجن إيفين سيئة جداً في إيران، فإن سجن قرتشك يعد أخطر سجن للنساء في البلاد، وأكثرها تعذيباً وقسوة، ويتصدر قائمة السجون الخطرة المخصصة للنساء في البلاد وبحسب تقرير حقوقي عن السجن مرفق بصور ورسائل من سجينات تتحدثن عن الحياة داخلها، يتألف السجن من 7 قواطع ويضم حالياً أكثر من 2000 سجينة، فتعيش 200 إلى 300 سجينة في كل قاطع، بعضهن برفقة أطفالهن.

فيما كشفت الناشطة الإيرانية سبيدة قليان في سلسلة تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أساليب التعذيب الممنهج والمستمر ضد معتقلات من عرب الأهواز تعرفت عليهن أثناء الشهور الأخيرة لاعتقالها بتهمة تغطية أخبار الاحتجاجات العمالية التي شهدتها البلاد عام 2021.

وأبرز النساء المعتقلات في المعتقل السري لوزارة الاستخبارات الإيرانية، تم اعتقالهن كرهائن بهدف إجبار أزوجهن أو أقاربهن المطلوبين على تسليم أنفسهم للسلطات وهن "مكية نيسي، زهراء حسيني، مريم الحمادي، خلود السبهاني، معصومة سعيداوي، سوسن سعيداوي، سكينة الصقور، زهراء شجرات".

 

يتعرض الكرد في إيران لظلم مزدوج!

بينت منظمة العفو الدولية التي يتواجد مركزها في لندن أن الشعب الكردي في إيران وخاصة النساء منهم يعاني "الظلم المزدوج" وانتقدت السياسة المتبعة بحقهم.

فيما نشرت منظمة العفو الدولية عام 2008 تقريراً مؤلفاً من 57 صفحة بعنوان "إيران: تقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان ضد الأقلية الكردية المتواجدة فيها". وبحسب ما جاء في التقرير فإن 12 مليون كردي يعيشون في إيران ويشكلون نسبة 15 بالمئة من عدد سكان إيران.

يتعرض الكرد هناك للتمييز الديني والثقافي، كما يتعرضون أيضاً للظلم المزدوج، بينّ التقرير الآنف الذكر أن الكرد في إيران يتعرضون لانتهاكات لحقوقهم الثقافية والاجتماعية "حسب القوانين الإيرانية يتساوى جميع المواطنين الإيرانيين ويتمتعون بنفس الحقوق، ولكن بحسب التحقيقات التي قمنا بها في تقريرينا هذا فإن الكرد هناك يتعرضون للتفرقة، الحكومة الإيرانية لم تخطُ أي خطوة بخصوص ما طلب منها فيما يخص كلاً من حقوق الأقليات والعنف الممارس ضد المرأة.

 

محاكمات جائرة... سجل إعدام النساء

تحتل إيران أعلى معدل إعدام في العالم، وتحمل الرقم القياسي لأعلى مرتبة في إعدامات النساء المنتفضات بالعالم، كما تجرى هذه الإعدامات بصورة غير عادلة للغاية، فبحسب ما قالته الناشطة الإيرانية أتينا دائمي، فإن إجراءات المحاكم في إيران غالباً ما تتحيز ضد النساء، لأن الرجال فقط هم من يمكنهم تولي منصب القضاة، كما أن معظم المحامين من الرجال أيضاً.

في عام 2014 بلغ عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم 188 شخصاً، وقد نفذت السلطات 86 حالة إعدام بحق نساء وفتيات ما بين عامي "2013 ـ 2018"، كما سجلت نحو 369 حالة إعدام في عام 2019 حسب المصادر الرسمية و700 شخص حسب المصادر الغير رسمية، منذ تسلم حسن روحاني الحكم من خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في إيران وحتى الآن ازداد عدد الأشخاص الذين يحكمون بعقوبة الإعدام إلى الضعف.

هذا وقد تم إعدام ما لا يقل عن 300 شخص على الأقل خلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، ففي عام 2021 أعدمت السلطات 18 امرأة، فيما تقبع 183 امرأة محكومات بالقصاص والإعدام في سجون النظام الإيراني.

خلال سلسلة من عمليات الكشف الكبرى نشر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية معلومات مستفيضة حول الجهاز القضائي من بينها منظمة سجون النظام، وطبقاً لإحصاء منظمة السجون ينتظر حوالي 5197 شخصاً تنفيذ حكم الإعدام أو القصاص فيهم، ومن بين هؤلاء حوالي 1366 حكماً بالإعدام منهم 39 من النساء، كما حكم على 3831 سجيناً بالقصاص من بينهم 144 من النساء.

وبحسب تقارير رسمية ذكر أسماء 51 شخصاً حكم عليهم بالرجم في أيلول/سبتمبر 2020، من بينهم 23 من النساء، فيما لم يتم تحديد أوضاع 1709 سجينة.

 

ثريا أبو الفتحي... أعدمت بسبب صفعة

كانت ثريا أبو الفتحي طالبة في جامعة تبريز، داهم حراس مسلحون مخبأ ثريا وزوجها في منتصف الليل في آب/أغسطس عام 1981، تم اعتقالها واقتيادها إلى سجن تبريز حيث تعرضت للتعذيب بوحشية وباستمرار لمدة 34 يوماً.

وبحسب شهود عيان كان القاضي الشرعي في تبريز في ذلك الوقت "موسوي التبريزي" يطلب من المعتقلات الزواج منه لتخفيف أحكامهن، وعندما طلب ذلك من ثريا أبو الفتحي قامت بصفعه مما أغضبه بشدة لدرجة أنه أصدر حكم الإعدام على الفور، وفي أيلول/سبتمبر من ذات العام، أعُدمت ثريا أبو الفتحي عن عمر يناهز 20 عاماً في ساحة إطلاق النار، وكانت حاملاً في شهرها السادس حينها.

لأن ديلارا درابي كانت طفلة رضيت بعقوبتها ولكن...

في عام 2002 قامت الطفلة ديلارا درابي البالغة من العمر 16 عاماً مع صديقها أمير البالغ من العمر 19 سنة بالدخول إلى منزل أحد أقاربها بغية السرقة. اعترفت ديلارا بذنبها وقامت بتغيير إفادتها عندما وجدت نفسها تواجه حكم الإعدام.

بعدها تمت إدانتها مثل صديقها بارتكاب الجريمة، وظناً منها أنها ستعاقب بعقوبة أخف لأنها طفلة قاصر وعمرها لا يتجاوز الثامنة عشرة اعترفت بأنها هي من ارتكبت الجريمة. كان خطأ ديلارا درابي هو تفكيرها بالاعتراف بارتكاب الجريمة اعتقاداً منها بأنها ستحاكم بعقوبة أخف.

من كان يعلم بأن الأطفال الإناث في سن التاسعة والأطفال الذكور في سن الخامسة عشرة يتم اعتبارهم بالغين لسن الرشد وتتم إدانتهم بارتكاب الجرائم وتتم الموافقة على إدانتهم ومعاقبتهم لارتكابهم لأي ذنب، فبحسب قوانين إيران يبلغ الأطفال الإناث سن الرشد في سن التاسعة والذكور في سن الرابعة عشرة، أي يستطيعون الحكم على طفلة تبلغ من العمر 9 أعوام بالإعدام.

ففي عام 2004، بدلاً من تحقيق العدالة لفتاة تدعى عاطفة تبلغ من العمر 16 عاماً، كانت قد تعرضت للاغتصاب من قبل عدد من الرجال، أجمع القضاة على أنها مارست الجنس خارج إطار الزواج. لقد حكم عليها بالإعدام "لاعترافها بممارسة الجنس مع بعض الرجال، في حين كانت الحقيقة هي أنها تعرضت للاغتصاب فعلاً"، كما أوضح ناشطون في مجال حقوق النساء.

فوفقاً لقانون العقوبات الإسلامي في إيران، إذا اعترف شخص ما بممارسة الجنس خارج إطار الزواج، فسيُحكم عليه/عليها بالجلد 100 جلدة. وإذا تكرر هذا الفعل ثلاث مرات، فيمكن الحكم عليه بالإعدام في المرة الرابعة.

تم إعدام ساكينة آشتياني لأنها امرأة

تم اعتقال ساكينة محمدي آشتياني بتهمة ارتكابها الزنا وحكم عليها بالإعدام، تسربت قصتها بشكل سري إلى العالم وتم نشر أخبار ومعلومات عنها في مجلة "Guardian"، نشرت هذه المجلة معلومات تفيد بأن الإدارة في طهران قالت لها "لأنك امرأة سنقوم بإعدامك".

وبينت ساكينة آشتياني نفسها أن إدارة طهران قد لفقت لها تهمة كاذبة وقاموا بإدانتها بتلك التهمة الملفقة، وتقول "تمت محاكمتي بتهمة ارتكاب الزنا، تم اعتبار تهمتي جريمة أكبر من جريمة من قام بارتكاب الجنايات، الرجل الذي قتل زوجي لم تتم محاكمته ومعاقبته بعقوبة الإعدام".

وكانت ساكينة آشتياني قد بينت بأن الحكومة الإيرانية تخدع الرأي العام في العالم بأكاذيبها وبأنها ستنفذ حكم الإعدام بحقها سراً في أي وقت تريده.

 

"حسب معتقداتهم يعتبر الزنا ذنباً أكبر من ارتكاب الجنايات"

بينت ساكينة آشتياني بأن الرجل الذي يرتكب الجرائم لا تتم معاقبته، أما هي سيتم تعليقها بالمشنقة وأردفت قائلة "السبب بسيط جداً. السبب هو كوني امرأة. في هذا البلد يعتقدون بأنهم قادرون على فعل ما يحلو لهم بالنساء. باعتقادهم ذنب ارتكاب الزنا أكبر من ذنب ارتكاب الجرائم الكبرى. لكن حتى عقوبة الزنا ليست ذات العقوبة بالنسبة للمرأة والرجل. عندما يقوم الرجل بارتكاب الزنا فإنه لا يعتقل حتى. ولكن عندما ترتكب امرأة نفس الذنب كأن نهاية العالم قد حلت. في هذا البلد لا تملك المرأة الحق في طلب الانفصال عن زوجها".

 

"لا ترجموني أمام ناظري ابني"

في المحكمة عند إصدار الحكم على ساكينة آشتياني والاتفاق على معاقبتها بالرجم لم تكن تعلم معنى هذه العقوبة. عندما عادت إلى السجن علمت من صديقاتها السجينات ماذا تعني عقوبة الرجم وعرفت كيف سيكون جزاؤها، لذا طلبت طلباً واحداً "لا ترجموني أما ناظر ابني".

عندما تريد إحداهن إقامة علاقة مع رجل آخر يكون عقابها الإعدام رجماً بالحجارة! روح المرأة وكيانها يعادل نصف الرجل، إذا رأى الرجل رجلاً آخر مع زوجته يستطيع قتلها دون أن يلقى أي عقاب على فعلته، في إيران عشرون بالمئة من الجرائم المرتكبة بحق المرأة هي بذريعة "الشرف". بحسب إحدى التحقيقات فإن نسبة تسعين بالمئة من النساء اللواتي يتم قتلهن في جرائم الشرف يتم قتلهن على الطرقات العامة أمام أعين الناس.

 

نضال المرأة في إيران لنيل حقوقها

في عام 2005، قامت النساء بتنظيم احتجاجات كبيرة ضد هذه القوانين المجحفة بحقهن، وفي عام 2006 قمن أيضاً بالاحتجاج فتدخلت الشرطة الإيرانية وقامت بتوقيف 70 امرأة من بين النساء المحتجات، إلا أنهن لم تتوقفن عند ذلك بل أطلقن حملة لجمع التواقيع واستطعن جمع مليون توقيع.

على الرغم من جميع الضغوطات التي تعرضت لها الحملة إلا أنها شدت انتباه العالم وحازت على جائزة سيمون دي بوفوار عام 2009. وعلى الرغم من كل العنف الذي تعرضن له استمرت النسوة في السير على طريق نضالهن من أجل نيل حقوقهن.

 

ريحانة جباري... ملهمة إيران

المهندسة ريحانة جباري امرأة إيرانية أخرى قصتها ألهمت العالم أجمع، فهي التجسيد الحقيقي لمعنى أن العالم أكثر قسوة مما كنا نتخيل، وقعت ضحية لواقعة اغتصاب من قبل أحد المسؤولين الإيرانيين وفي سبيل دفاعها عن نفسها قتلت ذاك المسؤول.

لم يقتنع القضاء الإيراني بقصتها فحكم عليها بالإعدام ونفذه عام 2014، رغم جمع مئات الآلاف من التوقيعات. المهتمين بقضية الإيرانية ريحانة جباري طالبوا بوقف حكم الإعدام. إعدام ريحانة جباري لم ينهي اهتمام العالم بها فرسالتها التي وجهتها لوالدتها لا زالت مؤثرة حتى وقتنا هذا.

 

غداً: الأدب والشعر والغناء... تمرد على السلطات في إيران