ظاهرة العنف الزوجي في ارتفاع ونسويات تؤكدن على ضرورة تفعيل القوانين

قتلت 12 امرأة خلال عام 2022، نتيجة العنف الزوجي وهو عدد مقلق ويدل على ضعف تطبيق القانون رقم 58 الذي بات صورياً.

زهور المشرقي

تونس ـ تفاقمت جرائم القتل خلال الفترة الأخيرة ضد النساء، ونتيجة لهذا الواقع الذي بات يهدد حياة التونسيات تتالت الصيحات النسوية التي أكًدت أن 12 امرأة رحن ضحية للعنف الزوجي في عام فقط، والعدد مرجح للارتفاع، برغم من وجود قانون شامل لمكافحة كل أشكال العنف صدر منذ عام 2017.

كانت حادثة الأربعينية وفاء السبيعي التي راحت ضحية للعنف الزوجي بعد أن حرقها زوجها منذ أسبوع في منزلها، بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس حيث نددت النسويات بذلك وطالبن الحكومة بالتدخل العاجل قبل فوات الأوان.

جريمة القتل هذه في الشمال الغربي التونسي أعادت للأذهان جريمة مقتل رفقة الشارني خلال العام الماضي على يد زوجها رجل الأمن رمياً بالرصاص في منزلها، بعد أن استنجدت بالشرطة ولم تنصفها، ما أدّى إلى مقتلها بتلك الطريقة البشعة والذي فجّر حينها الغضب النسوي العارم.

 

70% من الاعتداءات صادرة عن الأزواج

وكشف تقرير وطني حول مقاومة العنف ضد النساء في تونس، نشرته وزارة المرأة والأسرة، في آب/أغسطس الماضي، عن ورود 3161 إشعاراً عن حالات اعتداء جسدية ومعنوية واقتصادية تعرضت لها نساء منذ بداية عام 2022، أكثر من 70% منها صادرة عن الأزواج، مما يجعل الأسرة فضاء غير آمن.

وعن ظاهرة العنف الزوجي وقتل الزوجات، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي، إن العنف ضد النساء بات قلقاً ومخيفاً، لافتةً إلى إن الأمر بات مخيفاً بعد أن بلغ حد قتلهن الممنهج في ظل عقلية أبوية لا تأبه ما يحدث.

 

الأزمة الاقتصادية ضاعفت العنف

وحول كيفية التوعية بخطورة الوضع الذي يهدد حياة التونسيات، دعت إلى القيام بحملات تنديداً بتلك الجرائم حتى تتحمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة تجاه العنف المسلط على المرأة، مشددة على أن نسب العنف التي تضاعفت باتت مرتبطة بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية وتدني المقدرة الشرائية التي تضررت منها النساء بشكل مباشر.

وأوضحت بأنه لم يعد مجدياً هذا الصمت من قبل الحكومة إزاء استهداف النساء وانتهاك حقوقهن الجسدية، مؤكدةً أنه حان الوقت لإعلاء الصوت لكشف الحقيقة كما هي للعالم ولتحميل المسؤوليات لأصحابها للتصدي لظاهرة قتل النساء وإيقاف آلة العنف المسلطة عليهن في الفضاء الأسري والعام.

 

 استراتيجية لتفعيل القانون

وعن كيفية الحد من العنف المسلط على النساء في تونس، أكدت على أنه يجب وضع استراتيجية كاملة لتفعيل القانون رقم 58 الخاص بمجابهة العنف، مفسرة غياب الخطة الوطنية بتوسع الفكر الأبوي البطريركي المتسلط الذي لم يستوعب بعد مسألة المساواة التامة والفعلية بين الجنسين ولم يستوعب مسألة كرامة النساء كونهن مواطنات لا يمكن فصلهن عن المجتمع.

 

 

الزوج المتهم الأول بممارسة العنف

وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المرأة والأسرة، فإن الزوج هو المتهم الأول بممارسة العنف ضد المرأة، إذ غالباً ما يكون المعتدي على الضحية المبلغة وذلك بنسبة 74%.

وأوضحت أنه غالباً ما يلجأ بعض الأزواج للعنف نتيجة تدهور العلاقة الزوجية ورغبة المرأة في الانفصال؛ "الانفصال بين الزوجين لا يعني الانتقام وإلغاء وجود المرأة وتعنيفها، لا بدّ من استيعاب مسألة الاختلاف والاحترام والمساواة".

ومن جانبها قالت الناشطة الحقوقية النسوية أحلام بو سروال لوكالتنا، إن نسب العنف قد تضاعفت منذ جائحة كوفيدـ19، وقد لوحظ حينها أن الخط الأخضر لوزارة المرأة قد تلقى آلاف المكالمات للتبليغ من قبل النساء ضحايا العنف، حيث تضاعفت النسب تسع مرات مقارنة بالأعوام الماضية، إضافة إلى أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أكبر الجمعيات النسوية قد استقبلت وحدها 2000ضحية عنف، ووصفت المتحدثة الرقم بالمهول والمخيف.

وأشارت إلى أنه تم استقبال حوالي 600 ضحية عنف منذ بداية العام الحالي، وأن ظاهرة قتل النساء والعنف المرتكبة من قبل أزواجهن باتت أمراً مقلقاً ومفزعاً ويجب الوقوف عند مسبباتها، لا سيما وأنه أصبح يندرج ضمن "سياسة القتل الممنهج".

وأكدت على أن 12حالة قتل لنساء من قبل أزواجهن سُجلت في وقت قصير من ضمنها حالة قتل من قبل الشقيق، مشيرة إلى أن العنف المسلط على النساء هو ظاهرة منتشرة في العالم.

وأوضحت أنه بالرغم من صدور قوانين منذ أعوام لحماية التونسيات من العقلية الأبوية والظلم واللاعدالة والحد من قتل النساء، إلا أن نسبة العنف في تزايد.

وأشارت إلى أنه لم يتم تفعيل الآليات عبر التنسيقيات الجهوية لاعتبار أن العنف موجود في كل مكان، ويجب توفير التدخل السريع من قبل تلك التنسيقيات، كما لم يتم العمل عليها بشكل ممنهج ومدروس من قبل مختلف الأطراف خاصة مع غياب الإرادة السياسية الحقيقية للتفعيل على أرض الواقع.

وأوضحت بأن العقلية الأبوية المتفاقمة تقف حافزاً أيضاً وراء ارتفاع نسبة قتل النساء في تونس واستهدافهن، معتبرة أن "العقلية الأبوية والسلطة وجهان لعملة واحدة "الخطاب اليوم من أعلى هرم في السلطة التونسية هو خطاب ميزوجيني يُحرض على النساء وخطاب لا يكرس للمساواة، ومع تلك العقلية الأبوية تتضافر الجهود لتصبح المرأة مستهدفة من قبل الجميع مع التكريس لظاهرة استنقاص النساء نجد هذه النتيجة الحتمية".

وحول أزمة نقص مراكز الإيواء التي تعاني النساء منها، حيث وجدت العشرات أنفسهن مجبرات على العيش مع معنفهن لضيق الحال وعدم وجود مأوى قالت "نحن نعلم أن مراكز الإيواء تدخل تحت طائلة باب الحماية الذي من المفروض أن تتعهد به الحكومة لحمايتهن كناجيات من العنف المسلط من قبل أزواجهن، لكن اليوم في تونس لا يقع تفعيل الفصل 26 من القانون رقم 58 لعدم وجود مراكز الإيواء".

وأوضحت أن الحكومة بأكملها تعول على مركز إيواء "بيتي" وهو مركز جمعياتي خاص، وحتى فترة جائحة كورونا حين تم تأسيس مركز إيواء استعجالي في محافظة بن عروس بتونس الكبرى لم تتجاوز طاقة استيعابه 14امرأة، وأهم مركز في منطقة سيدي ثابتة بالعاصمة لا تتجاوز طاقة استيعابه30 امرأة، حيث نسجل نقصاً فادحاَ في هذه المراكز التي لا تتجاوز الـ 9 في كامل تونس وأغلبها لا تعمل، مشيرة إلى أن الايواء يتطلب ميزانية ثابتة لمواصلة العمل واستقبال النساء ضحايا العنف اللواتي لم تجدن المأوى، لكن الحكومة اليوم لم تتبنى بعد سياسة عامة لمناهضة العنف ويكرس مبدأ وحق الحماية"، مشددة على أهمية الضغط من المجتمع المدني لفتح مزيد من المراكز لدعم ضحايا العنف نفسياً ومعنوياً.