من داعش إلى هيئة تحرير الشام مشاهد مكررة من الإجرام

في السويداء ورغم الاستهداف المستمر لأهلها تستمر الحياة بقوة من تبقى، مستندين إلى ما تبقى من الأمل، وإلى إرادة الأهالي الذين رفضوا أن تنكسر روحهم رغم كل ما فقدوه.

روشيل جونيور

السويداء ـ لم يكن دخول داعش إلى ريف السويداء الشرقي عام 2018 أمراً عابراً، بل عملاً منظماً يهدف إلى الإذلال عبر استهداف النساء بشكل أساسي واستخدامهن كورقة ضغط، هذه السياسة التي مارسها التنظيم في مناطق عديدة، من الإيزيديات في شنكال إلى نساء الطائفة العلوية وغيرهن، أعادت هيئة تحرير الشام تطبيقها بوحشية في قرى السويداء الشرقية.

منذ اللحظة الأولى للهجوم، كانت النساء الفئة الأكثر تعرضاً للعنف إذ تحولن إلى ضحايا مباشرين للخطف والتهديد، وإلى وسيلة لفرض الشروط والتفاوض، ولم يقتصر العنف على الخطف فقط، بل شمل الإذلال المتعمد، والترويع، واستخدام صور المختطفات في الدعاية، بالإضافة إلى المعاناة الجسدية والنفسية التي تعرضن لها خلال الأسر.

في النزاعات المسلحة، تكون النساء عادة أكثر الفئات هشاشة، لكن عندما سيطر داعش كان استهدافهن متعمداً ومركزاً، لجعل المجتمع يشعر بالعجز والانكسار.

 

2018… يوم دخل داعش شبكي

صباح 25 تموز/يوليو 2018، اجتاح داعش قرى المقرن الشرقي، وبينها شبكي، مخلفاً عشرات الضحايا وخاطفاً ما لا يقل عن 36 امرأة وطفلاً من القرية وحدها، وأجبرت عدد من المختطفات على السير مسافات طويلة في البادية، ما أدى إلى وفاة إحداهن، بينما قتلت أخرى رمياً بالرصاص، كما نشر داعش صورهن بهدف بث الرعب وإظهار نفوذه الإعلامي.

وتراوحت أعمار المختطفات بين 18 و60 عاماً، ما جعل الحدث صدمة حقيقية للمجتمع، وأثار خوفاً عميقاً امتد لسنوات.

 

عام 2025… الذاكرة تنفتح من جديد

بعد سبع سنوات على الهجوم الأول، عادت السويداء عام 2025 لتعيش وجعاً مشابهاً، فقد عاد الخوف ذاته ليتجسد في انتهاكات جديدة طالت النساء بشكل مباشر، من خطف، ومحاولات قتل، وفقدان الأبناء في الهجمات على السويداء.

ولم ينتهِ الألم بمجرد خروج داعش من المنطقة، إذ دفعت القرى ثمناً اجتماعياً واقتصادياً قاسياً. فقد تهجرت أكثر من 36 قرية بشكل شبه كامل، واضطرت العائلات وفي مقدمتها النساء للعيش في منازل مشتركة تجمع أكثر من عائلة، ما أدى إلى انتهاك واضح لخصوصية المرأة، وخلق عبئاً نفسياً واجتماعياً ثقيلاً عليها.

كثير من النساء وجدن أنفسهن بلا مأوى، بلا خصوصية، وبلا قدرة على حماية أطفالهن، وسط مجتمع يعيش حالة ضغط وخوف، فوجدت النساء أنفسهن يواجهن عنفاً مضاعفاً: عنف المسلحين، وعنف النزوح، ثم عنف المجتمع الذي يميل في الأزمات إلى تحميل المرأة أثقالاً أكبر من طاقتها.

 

 "ألم شخصي وذاكرة جماعية"

لكن بالنسبة للسكان، يعتبر هذا الظهور الجديد امتداداً لجرح 2018، وكما تصفه جهينة ثليج جباعي بـ "ألم شخصي وذاكرة جماعية".

تروي جهينة ثليج جباعي وهي من أهالي قرية شبكي، كيف قتل أفراد من أسرتها خلال تلك الأحداث حيث فقدت اثنين من أشقائها، ووالدتها، وشقيقتها، الذين دافعوا حتى اللحظة الأخيرة عن بيتهم وأرضهم، مشيرة إلى أن الهجوم لم يكن يستهدف القرية فحسب، بل كان جزءاً من حملة أوسع شملت عدة قرى في المقرن الشرقي.

وأوضحت أن داعش اختطفت حينها نحو 29 فتاة وقاصراً من القرية، وقتل عدد من النساء في واقعة تركت أثراً عميقاً في المجتمع المحلي، وخلفت شعوراً بالغضب والعجز بين الأهالي، وتقول إن الأحداث التي شهدتها السويداء مؤخراً أعادت إلى الأذهان مآسي عام 2018، بكل ما حملته من قتل وخطف ودمار.

ولم تتوقف المعاناة عند الخسائر البشرية؛ فالهجوم دفع الكثير من السكان للنزوح، وبقي بعضهم عاماً أو عامين قبل أن يتمكن من العودة، وتؤكد جهينة ثليج جباعي أن الأهالي يعتمدون أساساً على الزراعة وتربية المواشي، لكن تلك الهجمات أدت إلى فقدان المئات من رؤوس المواشي، ما تسبب بخسائر اقتصادية فادحة، كما أن الضغط المعيشي تضاعف، وكونها موظفة، لم تتقاض راتبها لأربعة أشهر، ما فاقم الأعباء المالية عليها وعلى كثيرين غيرها.

وتتوقف عند فجيعة شقيقتها الجامعية التي قتلت في منزل العائلة قبل بيوم من تخرجها، متسائلةً "بأي ذنب قتلت؟" وتصف داعش بأنه مجرم "لا يميز بين كبير وصغير، ولا بين متعلم وغير متعلم… هم قتلة، لا يمكن وصفهم إلا بذلك".

 

قصص استثنائية من الصمود والإرادة

وسط هذا السواد، تروي جهينة ثليج جباعي قصص استثنائية من الصمود والإرادة، من بينها قصة حنين الجباعي، التي شاهدت والدتها وشقيقاتها يقتلن أمامها داخل منزلهم، ولتفادي اختطافها، رمت نفسها داخل خزان ماء، ونجت بأعجوبة، ورغم أنها فقدت أسرتها كاملة، تمسكت حنين بوعد قطعته لنفسها ولأرواحهم أن تواصل دراستها، وبالفعل، استكملت طريقها حتى تخرجت في كلية الطب البشري هذا العام، وهي تتابع اليوم اختصاصها، مدعومة من أقربائها ومن أبناء المنطقة.

وتقول "الأملاك قد تعوض، لكن الأرواح لا تعوض"، مضيفةً أن جراح الأهالي لا تزال مفتوحة، وأن قبور أحبتهم تشهد على حجم الفاجعة، ومع ذلك، تستمر الحياة بقوة من تبقى، مستندين إلى ما تبقى من الأمل، وإلى إرادة الأهالي الذين رفضوا أن تنكسر روحهم رغم كل ما فقدوه.

 

 

الخطف والتهميش والمصير المجهول

كذلك استذكرت ريمال الحمد الأحداث التي شهدتها مدينة السويداء، وربطت بين هجوم منتصف تموز/يوليو الذي تعرضت له المدينة مؤخراً، وبين أحداث شبكي عام 2018 التي ما زالت آثارها حاضرة في الذاكرة المحلية.

وبينت أن الهجوم الأخير من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام يحمل الكثير من ملامح الهجوم الذي وقع على قرى الريف الشرقي عام 2018 من قبل داعش، ولا سيما قرية شبكي، فالهجومين كما تؤكد اتسما بالمباغتة، وتركا ضحايا كُثر بين قتلى وجرحى ومخطوفين، إلى جانب تهجير آلاف العائلات.

وتضيف ريمال الحمد أن العامل المشترك بين الهجومين هو دخول المهاجمين تحت شعارات دينية وتحريض طائفي ضد أهالي الطائفة الدرزية، والدعوة إلى العنف والإبادة "هذا الخطاب ترك جروحاً اجتماعية ونفسية عميقة لدى الأهالي".

وتعتبر أن الهجمات، سواء في 2018 أو في 2025، جاءت ضمن ظروف معقدة تشابكت فيها التنظيمات المسلحة والجهات النافذة، مشيرةً إلى ما وصفته بتسهيلات مكنت المهاجمين من التقدم نحو القرى المتضررة، وتؤكد أن الأهالي ما زالوا يحملون مخاوف حقيقية من تكرار السيناريوهات ذاتها، خاصة بعد ما تصفه بـ "التحريض الطائفي" الذي رافق الهجمات.

 

استهداف النساء

وركزت ريمال الحمد بشكل لافت على وضع النساء خلال الأحداث، معتبرة أنهن "الفئة الأكثر تهميشاً" في مثل هذه الهجمات، مذكرةً بنساء كثيرات تعرضن للخطف عام 2018، ثم أُجريت مفاوضات انتهت بعودتهن بعد عدة أشهر.

وفي هجوم منتصف تموز/يوليو 2025، تشير إلى أن الاعتداءات طالت رجالاً ونساءً، وأن عدد من النساء ما تزلن في عداد المفقودين رغم تحرير قسم منهن، فيما تبقى المعلومات عن مصير الأخريات "غير مطمئنة" حتى الآن.

 

تداعيات نفسية واجتماعية مستمرة

تقول ريمال الحمد إن أحداث قرية شبكي عام 2018 كانت بداية مرحلة طويلة من العنف أدت إلى شرخ بين أهالي السويداء والحكومة، بينما تركت أحداث تموز/يوليو 2025 آثاراً نفسية "شديدة" على مختلف الفئات في المجتمع، خصوصاً مع استمرار التوتر والخشية من تكرار الانتهاكات.

واختتمت ريمال الحمد حديثها بالتأكيد على ضرورة وحدة الصف داخل السويداء، معتبرةً أن المجتمع اليوم "أكثر عرضة من أي وقت مضى للتدخلات الخارجية"، وأن التماسك المجتمعي يشكل صمام الأمان الوحيد في مواجهة مخاطر التصعيد.