ما هي أسباب تعطيل قضايا النساء في محاكم قطاع غزة؟

قضايا النفقة والحضانة والطلاق التعسفي جمعيها تثقل كاهل النساء حتى يتم البت في أمرها في المحاكم الشرعية في غزة.

رفيف اسليم

غزة ـ تعاني النساء في قطاع غزة من تعطل قضاياهن في المحاكم التي ربما يستغرق الحكم فيها سنوات عدة، وقد يصدر الحكم ولا تستطيع الجهات المسؤولة التنفيذ للعديد من الأسباب لتبقى المرأة تلاحق مجموعة من الأوراق، المطلوب في كل مرة المصادقة عليها عبر أروقة المحاكم المختلفة، وينتهي بها الحال في نهاية المطاف متسمرة في طابور الانتظار الذي قد لا ينتهي بنتيجة مثمرة.

(علا محمد) اسم مستعار لامرأة كانت تسند ظهرها للحائط بعد أن استطاع طليقها الهروب من دفع النفقة للمرة الثالثة على التوالي، إثر استدانته مبلغ مالي من البنك ليحول راتبه كسداد على مدار سنوات قادمة، لافتةً أنها لا تستطيع الاستفادة من الحكم بالدفع نتيجة عدم القدرة على التطبيق، فتارة يغير عنوانه وتارة أخرى يجد حيل مختلفة كي لا تصل جهة التنفيذ منفذاً لسحب النقود.  

وتتساءل ما الفائدة من قرار المحكمة إذا لم تستطيع تطبيقه، مضيفةً أنها منذ عدة أشهر وهي تسكن مع أطفالها في بيت والدتها التي باتت ضجرة من مصاريف الأطفال وطلباتهم التي تكاد لا تنتهي، خاصةً أنه لا يوجد لأسرتها دخل ثابت، فتشعر وكأنها دخيلة تستنزف موارد المنزل وتتحمل عبارات العنف النفسي لها والجسدي لأطفالها دون التفوه بكلمة واحدة. 

وقد فضلت (سماح علي) أيضاً عدم الكشف عن هويتها الحقيقية، فتشير أنها انفصلت عن زوجها منذ عدة سنوات لأسباب مختلفة، لكنها لم تستطع نيل حكم الطلاق، فقضايا التفريق بين الزوجين تستغرق سنوات طويلة دون نتائج مجدية، لافتةً أن القانون وضع النساء فريسة سهلة للرجال فكون الطليق يعلم جيداً أن المحكمة لن تعطيهن حقوقهن، سيستمر بابتزاز المرأة لأطول فترة ممكنة حتى تخضع لتنفيذ طلباته كاملة.

وتروي سماح علي أن الزوج طلب منها دفع مبلغ مادي كبير مع التنازل عن كافة حقوقها ليمنحها حكم الطلاق وتنتهي القضية، وإلا ستستمر عدة سنوات أخرى في ملاحقته، مبينةً أنه استدان من والدتها مبلغ مالي كبير لن تستطيع تحصيله منه فستغدو النتائج كارثية بالنسبة لها وستضطر لاستدانة المبلغ الذي يطلبه منها للحصول على حريتها.

وتلتقط (نجاة أحمد) طرف الحديث منها وهو اسم مستعار لامرأة تطالب بورثتها من والدها منذ 6 سنوات وما زالت غير قادرة أن تحصل على نتيجة، فقد قرر أشقائها أن الفتاة لا يحق لها الميراث كونها تزوجت من رجل غريب، متوعدين بتهديدات تكاد لا تنتهي كي تشعر بالخوف وتسحب القضية التي لا تعلم كم من السنوات ستستغرق لنيل حقها في حصر الإرث واستراد حصتها التي يستولي عليها أشقائها الذكور.

وتعلق سهير البابا المحامية في العيادة القانونية لمركز شؤون المرأة، على ذلك بالقول إن قضايا النساء في المحاكم الشرعية بقطاع غزة تستغرق وقت طويل، بسبب تعقيدات الإجراءات المتبعة بداية من إيداع القضية وترسيم الشكوى وحتى التبليغ ووصولها إلى المدعي العام، لافتةً أن هناك مشكلة بالتبليغ وهي توكيله لإحدى شركات النقل وليس محضر محكمة بالتالي لا تتوافر لديه المعرفة الكافية بالتفاصيل، مما يسبب هروب الجاني لمرات عديدة دون التوقيع على الورق.

وأضافت سهير البابا أن هناك مشكلة أيضاً في قضايا التفريق بين الزوجين بسبب قدم القوانين المعمول بها في المدينة المحاصرة واشتقاقها من القانوني المصري والتركي التي تم التعديل عليها في بلدانها الأصيلة بينما بقيت كما هي غزة، فغدت تجمعية القوانين المطبقة غير ملائمة للتغيرات التي حدثت مؤخراً في المجتمع، أو للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها فلسطين.

وأشارت إلى أن قضايا النفقة والحضانة والطلاق التعسفي جمعيها تثقل كاهل النساء حتى يتم البت في أمرها في المحاكم الشرعية، وذلك بسبب تكدس القضايا وقلة عدد القضاة الذين يورد لهم (30 ـ40) قضية في اليوم الواحد، لافتةً أنه خلال الفترة الأخيرة تم إصدار عدد من التعميمات القضائية الخاصة بالنساء لكن تلك التعميمات غير كافية، بسبب الحاجة لقانون واضح ببنود تحفظ الحقوق وتسرع من وتيرة إرجاعها لأصحابها.

وتردف سهير البابا أنه في قضايا العنف الأسري لا تصل القضية للمحكمة لأن مراكز الشرطة لا تتعامل معها بجدية، فعندما تتقدم المرأة بشكوى قد لا تعامل باحترام، بحجة أن تلقيها الضرب لا يتطلب خروجها من المنزل وتقديم شكوى ضد "الولي"، موضحةً أن الفتاة تحول للعلاقات العامة بحجة الحفاظ على العلاقات الأسرية وليس قسم الشكاوى الاعتيادي.

وأكدت سهير البابا أنه يجب أن تأخذ شكاوى العنف الأسري المنحنى الصحيح كيلا تفقد إحداهن حياتها، مع إثبات العنف الذي تتعرض له الفتاة أو المرأة من قبل طبيب مختص في تقرير طبي مثبت، بعيداً عن التدخلات العشائرية ولجان الإصلاح التي تضيع حق المعنفة وتجبرها على سحب الشكوى بعد تحملها لعناء النظرة السلبية من المجتمع.

ونوهت سهير البابا أن وجود النساء مع محاميات مختصات منذ بداية رفع القضية يسهل عليهن المضي قدماً في الإجراءات القانونية داخل المحكمة، خاصة أنهن قد لا تكن تعرفن الكثير منها فترجع القضية في كل مرة للخطوة الأولى، مشيرةً أن العيادة تقدم العديد من الخدمات للنساء وتحاول دوماً أن تخدم أكبر شريحة منهن.